كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
لا أحد يعرف كيف ستنجو المستشفيات الخاصة من تتالي الأزمات التي تقف لها بالمرصاد، من توقّف الدولة منذ أشهر طويلة عن سداد مستحقاتها البالغة نحو 2200 مليار ليرة لبنانية، إلى تدهور سعر الصرف الذي أفقد تلك المستحقات 70% من قيمتها وأدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد المعدات، ومن بعدها مشكلة “كورونا” التي ما زالت تتفاقم، وأخيراً كارثة إنفجار بيروت التي كانت كـ”الضربة القاضية”. باختصار، لا يتوقع أحد معجزة تنتشل القطاع الصحي الخاص من حالته المتأزمة.
نوازل وكوارث وأزمات تصيب لبنان، فيما تصمد المستشفيات الخاصة وتحارب باللحم الحي من جهة، وتدق ناقوس الخطر من جهة أخرى تاركة البلاد عرضة للقلق على مستقبلها ومصيرها، إذ يرزح القطاع تحت ظروف صعبة لا تنذر سوى بالأسوأ. والسؤال الأهم في هذه المرحلة هو: “هل هناك مخرج ما أو حل إنقاذي متاح لمواجهة كل تلك المصائب؟ وما هو وضع المستشفيات الخاصة بالتفصيل الممل؟
جهات مانحة؟
ولأن السياسة انعكاس للإقتصاد، يبدو أن سياسات وزارة الصحة غير قادرة على تسديد ما عليها من دفعات ومستحقات لجميع المستشفيات عامة كانت أم خاصة، ليس لأنها لا تريد بل لأنها عاجزة عن كل شيء الا عن التعهد بإدخال المرضى الفقراء إلى المستشفيات الخاصة على نفقتها، لعدم قدرتهم على الإستحصال على تأمين صحي شامل أو أي غطاء صحي آخر. ولكن هل هي قادرة فعلياً على تغطية كل تلك النفقات بخاصة مع ما ترتب من فواتير تابعة لجرحى “انفجار بيروت” وفي “زمن الكورونا”؟
وعلى الرغم من التنكيل الذي يعانيه القطاع الصحي الخاص في الآونة الأخيرة إلا أنه استطاع الصمود، أما اليوم، فـ”القطاع الصحي والمستشفيات الخاصة في مأزق”، بحسب نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، والذي قال لـ”نداء الوطن” إن تلك المساعدات العينية والأدوية التي تبرعت فيها البلدان للبنان هي التي تسند المستشفيات، “لكننا نتكئ على عكاز أضعف من حملنا، وسنسقط حتماً في القريب العاجل ما لم تنتشلنا المساعدات أو المنح من الجهات الأجنبية المانحة”. ويتابع: “مشينا وراء وعود وزارة الصحة حتى وصلنا إلى طريق مسدود، لكن من الواضح أنه ما باليد حيلة. وعليه، يجب ألا نبقى في حالة الإنكار بل علينا أن نواجه الحقيقة ونسارع إلى إيجاد الحلول ولو كانت عبارة عن مساعدات أو منح بفوائد منخفضة أو قروض بلا فوائد أو فوائد مخفضة، فقد تراكمت التحديات وصار الموضوع أكبر من قدرتنا على التحمل. 60 يوماً لتجد وزارة الصحة حلاً لإخراج القطاع الإستشفائي الخاص من دائرة خطر الإفلاس والإقفال القسري”.
وأكمل هارون شارحاً: “نترقب محطة جديدة ضمن مسار “الأسوأ” للأسف، لذا لقد استعرضت كل المشاكل التي أخبرتكم عنها ويعاني منها القطاع الإستشفائي الخاص مع الجهات المانحة والمؤسسات الدولية وبعض السفارات الأجنبية حتى، والأوروبية تحديداً، سائلاً عن إمكان مد القطاع بمنح تسندنا لثلاث أو أربع سنوات مقبلة على الأقل. فما كان من البنك الدولي إلا أن طلب مني إعطاءه تقريراً شاملاً ومسحاً تفصيلياً للأضرار حيث نحن اليوم قيد الإنتظار، وأتوقع أن نحصل على جواب بعد مرورها بالآليات المعتمدة. على أمل أن نصل إلى نتيجة إيجابية، لكن حتى الآن ما زلنا في مرحلة السعي”.
وعود الوزارة
ليس القطاع الإستشفائي الخاص مجرد استشفاء قيّم يُستنزف، وعنواناً لإستغلال الدولة اللبنانية “انسانية الطاقم الطبي” أمام الكوارث فحسب، بل هو أيضاً القطاع الذي تحمل كل تلكؤ الوزارات المعنية من دفع المستحقات المالية المترتبة على دولتنا لصالحهم رغم تدهور قيمتها وفي ظل أزمة مالية خانقة تعاني منها البلاد أدت إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين الذين بات نصفهم “فقراء” وغير قادرين على دفع الفاتورة الإستشفائية رغم أنها لم ترتفع مع ارتفاع الكلفة.
يثق النقيب بوعود وزارة الصحة، إلا أنه بدا متشائماً من قدرة الدولة على سداد ما تبقى من مبلغ الـ2200 مليار ليرة لبنانية حيث، بحسبه، “استطاعت المستشفيات تحصيل مبلغ 96 مليار ليرة لبنانية فقط من المبلغ الذي فقد قيمته مع تدهور سعر الصرف أي أقل من 2% اذا ما احتسبنا فرق العملة. بعدها مرت نصف سنة لم نستحصل فيها على قرش واحد. أي، تلقت المستشفيات دفعة بمعدل 20 مليار ليرة شهرياً كان المفترض أن تعادل حوالى الـ13 مليون دولار وصارت تساوي مليونين ونصف مليون دولار، علماً أن المبلغ المستحق على الدولة للمستشفيات الخاصة يصل إلى 130 ملياراً شهرياً، وهو ما رتب عبئاً إضافياً على المستشفيات لجهة قدرتها على سداد التزاماتها لموردي المعدات الطبية بالعملة الصعبة. فتركت المستشفيات منكشفة على التزاماتها مع الموردين، وأوقعت القطاع بخسائر فادحة تعادل معدلات تدهور الليرة اللبنانية مقابل الدولار”.
أظهرت أزمة تفشي فايروس كورونا، أن استقرار القطاع الصحي ككل وعافيته لا يكمنان فقط في دفع الدولة للمستحقات الأساسية والمطلوبة وإنما في التنظيم والتخطيط المسبق لمواجهة الأزمات، وأهم من ذلك مقدرة الوزارة على التوصل إلى الحد من الفوضى وعلى مواجهة واقع أن الليرة تدهورت قيمتها وأن القطاع الصحي يُنازع. إلا أن ما يحصل بعيداً كل البعد عما كان يجب أن يكون، لجملة من الأسباب أولها أن الوزارة تطلق وعوداً بالدفع والتكفل بالمرضى بلا أسس واضحة ولا خطة، أضف إلى ذلك ارتفاع سعر الصرف واضطرار بعض المستشفيات إلى فرض دفع فرق الكلفة المترتبة على الدولة من جيب المريض الخاص وبالدولار، لعدم انسجام الوزارة مع واقع معاناة المستشفيات الخاصة وواقع الحال في البلاد وواقع أن الدولار لم يعد 1500 ليرة لبنانية ولا 3200 ليرة ولا حتى 3900 ليرة لبنانية. بالإضافة إلى مطرقة “كورونا” التي جاءت من حيث لا تخطيط، ولا موازنات للأزمات، لتشكل عبئاً إضافياً على الجهتين، بخاصة لجهة ارتفاع المصاريف وتكلفة البروتوكولات الصحية، وما تفرضه من كلفة مرتفعة للحجر والملابس الواقية وكلفة تلف النفايات الناتجة عنها.
نفقات وخسائر
حتى الآن، كل النفقات تُسحب من “جيبة” المستشفيات الخاصة وميزانياتها التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ناهيك عن أن بعضها اضطر إلى الإستغناء عن 800 موظف وصرفهم حتى قبل الكارثة، التي فرضت واقعاً إنسانياً لا يمكن لأي مستشفى التنصل منه، وبحسب هارون “تمت معالجة أكثر من 6000 جريح وعدد كبير من المتضررين الذين توفوا بعد صراع مع شظايا الإنفجار. وقد تحملت كلفة تطبيبهم بالكامل المستشفيات الخاصة التي استقبلتهم، أما كلفتهم فتتراوح بين 27 و33 مليون دولار وهي مبالغ مترتبة على الدولة تضاف على المبالغ السابقة غير المسددة”.
ويشير هارون إلى أنه يتفهم أنه قد تعاظمت إلتزامات وزارة الصحة تجاه القطاع الصحي وازدادت الفاتورة الصحية التي كانت تخصصها لذلك، نتيجة تداعيات تفشي فايروس كورونا أولاً وإنفجار بيروت ثانياً وتتالي الأزمات “غير المخطط لها مسبقاً”، وهو ما يدفعه إلى طرح حل اللجوء إلى الجهات المقرضة أو المانحة كي تساعد الدولة لسداد التزاماتها.
وللتحديات إسم آخر اسمه “كلفة التشغيل”. فبحسب هارون “انخفضت قيمة التعرفة الإستشفائية مع تراجع سعر صرف الليرة فبدل التعرفة الذي يبلغ 100 ألف ليرة صار يعادل 12 دولاراً ونصف حالياً مقارنة بنحو 66 دولاراً وفقاً لسعر الصرف الرسمي، وحتى الطبيب الذي كان يتقاضى على استشارته 100 ألف ليرة لبنانية ورفع كلفته إلى 200 ألف ليرة أي نحو 24 دولاراً مقارنة مع ما كان يتقاضاه سابقاً وفقد قيمته. علماً أن وضع المواطن قد تردى اقتصادياً وتراجعت أعداد الذين يتوجهون للأطباء وصار التوجه إلى المستشفيات يتعلق فقط بالحالات الضرورية جداً، كما أن ما يتكلفه الطبيب والمستشفى ارتفع نتيجة لعدم قدرة الدولة الا دعم 85% من فاتورة المستلزمات الطبية المهمة، وبالتالي هناك 15% تدفع بالعملة الصعبة، هذا ما لم نتطرق إلى بطء عملية الدعم ككل والتأخير بين المصارف ومصرف لبنان في فتح الإعتمادات”.
وفي التفاصيل، يكشف هارون أن العديد من المستشفيات الخاصة المواجهة لمرفأ بيروت بخاصة من منها بالقرب من مكان الحادث في بيروت وبعبدا والمتن الشمالي، قد تعرضت لأضرار مادية طالت أبنيتها بنحو ما قيمته 80 مليون دولار، إضافة إلى ملايين أخرى لأضرار الأجهزة الطبية والمعدات الثقيلة إذ سوف يقدم كل مستشفى تقريراً مفصلاً عنها في الأيام الخمسة المقبلة بعد الكشف عليها من قبل متخصصين، في حال كان هناك ما يمكن تصليحه وليس استبداله. علماً ان الأضرار المادية التي تعرضت لها المباني تخضع للتأمين، لكنها “معلقة” بانتظار “توصيف الإنفجار” في التحقيقات.
ويختم هارون: “أرجو ألا تصل المستشفيات الخاصة بعد 60 يوماً إلى قرار صرف عمال، فالوضع حالياً معقد وبالكاد نتنفس الصعداء مع المساعدات العينية التي تلقيناها وبالفعل اتجهت 95% من المستشفيات نحو تخفيض عدد الأسرة والتوقف عن القيام بعمليات مكلفة، كما فقدت القدرة على شراء المستلزمات والمعدات الطبية، واضطر بعضها إلى إغلاق أقسام مهمة وحتى إلى الإقتطاع من رواتب الموظفين. نحن على شفير الهاوية ونتخوف من “الإقفال التام القسري” الذي سيولّد أزمة اجتماعية وانسانية حتماً، وأقله سيزيد من معدل البطالة بشكل كبير.