سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة: “هل يشعر المسؤولون بالخطر الداهم؟ هل ينصتون إلى أنين الشعب عوض الانصراف إلى تأمين مصالحهم؟ ماذا تريدون بعد من الشعب؟ أن تميتوه؟ لن تستطيعوا لأن الله حي وهو يعيل خليقته. أما أنتم فلا إله لكم سوى جيوبكم ومصالحكم، وقد تناسيتم أن كل أموالكم ستبقى هنا عندما تغادرون هذه الفانية. الغنى الحقيقي ليس ما نملك، بل ما نعطي، لأن العطاء يستمطر سخاء الله. أصبح الجشع سيد الموقف في لبنان. كيف سيعيش الفقير وهو محاط بمسؤولين وتجار يستنزفون آخر ما تبقى لديه من ممتلكات بعدما سلبوه كرامته وسني حياته؟ كيف ستواجهون ربكم يوم الحساب؟”
وقال عودة في قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس وسط بيروت: “الكلمة الحقة تفضح وتؤلم، لذلك بدل تشجيع الحر على التمسك بالحرية، يقمع ويسجن ويسكت ويفجر ويطلق عليه الرصاص، أما الشعارات الفارغة فضجيج يزعج دون أن ينفع. ويرينا الكتاب المقدس أن هناك أمورا لا يمكن شراؤها بالمال كالصحة والطمأنينة والنجاة من الموت، والحب، وأن الغنى يسبب الهموم المقلقة. إذا، ينبغي دائما تفضيل الحكمة على الغنى لأنها هي مصدره، وهي الكنز واللؤلؤة الثمينة التي تستحق كل عناية. الغنى من دون محبة هو فقر فيما بعض الأغنياء يظنون أن ثروتهم ستنقص إذا تبرعوا بالقليل منها، مع أنهم إن فعلوا يكونون في صدد تجميع ثروة أهم في السماوات.”
وأضاف: “إن كان الله يغني أحباءه، إلا أن كل غنى ليس ثمرة بركته. هناك مال الظلم والفساد والاختلاس والحرام، وهذا المال لا يفيد صاحبه بل يؤذيه. بعض الأغنياء يظنون أنه يمكنهم الإستغناء عن الله، والاعتماد على مواردهم فقط ، لكنهم متى مرضوا يخسرون كل شيء، ولا تفيدهم ثروتهم في شراء درهم صحة أو لحظة حياة واحدة. لذلك يوصي الرسول بولس أغنياء هذه الدنيا بألا يتعجرفوا، ولا يجعلوا اتكالهم على الغنى الزائل بل على الله الذي يوسعنا كل شيء لنتمتع به”.
وتابع عودة: “من غني مثل الله؟ مع ذلك أخلى ذاته آخذا صورة عبد. صار فقيرا لكي يغنينا. على عكس كل زعيم أرضي يفقر شعبه ليغتني هو ويضعف الناس ليستقوي. لبنان، جوهرة هذا الشرق، والديموقراطية التي تكاد تكون الوحيدة فيه، يضيع، وما من بصيص نور. الشعب يئن فقرا والمآسي تتوالى. شبح الهجرة عاد يخيم في ربوعنا لأن شابات هذا البلد وشبابه لم يعودوا يرون في لبنان وطنا، بل أصبح في عيونهم جلادا سرق منهم حياتهم وفرحهم والأمل بمستقبل يحلمون به. سرق منهم مدخراتهم وفرحتهم في تأسيس عائلة، وامتلاك منزل يعيشون فيه بكرامة وبلا أي تهديد أمني يقض مضاجعهم أو يسرق حياتهم. لم يعد أمامهم سوى التفتيش عن مكان آمن يحترم حق الإنسان في العيش الكريم، وحقه في حرية التفكير والتعبير. والاحصاءات التي تتحدث عن هجرة العائلات مخيفة، لكن المسؤولين لا يأبهون، لأن مشاغلهم ومراكزهم ومصالحهم أهم من حياة الناس ومستقبلهم”.
وسأل: “هل يجوز إهمال مصالح المواطنين إلى هذا الحد؟ هل فكرتم بالمشردين والشتاء على الأبواب؟ هل فكرتم بالعام الدراسي المقبل وقد ضاع العام المنصرم؟ أمسموح أن يبقى البلد في ضياع وهو في أشد الأزمات؟ أمسموح تضييع الوقت والفرص ونحن في أمس الحاجة إلى كل دقيقة كي لا يضيع منا الوطن؟ أين رجالات الدولة الكبار الذين أرسوا قواعد الحرية والعدالة والديموقراطية؟ أين العقلاء الذين بحكمتهم ودرايتهم وبعد نظرهم ينتشلون لبنان من قعر حضيضه؟ أين الدستوريون الذين يضعون الدستور وتطبيقه فوق كل اعتبار؟ أين الأحرار الذين وحدهم يخلصون لبنان؟ أين الأنقياء أصحاب الأيدي النظيفة والقلوب الطاهرة والضمائر الصاحية؟”