وإن كان في السياسة لا تستوي الأحكام المسبقة، إلا أن التجارب اللبنانية غنية إلى درجة تجعلنا نستبق التطورات ونتوقع النتائج في ظل المعطيات القائمة والتجارب المتراكمة.
بهذا المعنى لا يجوز أن نستبشر خيراً بتكليف الدكتور مصطفى أديب تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. فبعيداً عن تجارب اللبنانيين في ألمانيا غير المشجعة مع سفيرهم “السابق” في برلين، إلا أن خضوعه لموافقة الثنائي الشيعي كشرط مسبق إلزامي للقبول بتسميته يجعل منه رهينة لدى هذا الثنائي الذي يمسك أساساً بأكثرية نيابية قادرة في أي لحظة على الإطاحة بحكومته. كما أن الدعم الفرنسي الذي قد يكون حظي به أديب غير كافٍ على الإطلاق في ظل تأكيد السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا أن “مقترحات الفرنسيين تخصهم وحدهم”، وفي ظل عدم الرضا العربي الواضح عن كل مسار الأمور في لبنان، ما يعني أن أي تجربة حكم لن يُكتب لها النجاح في ظل الأوضاع المالية والاقتصادية الكارثية لأن مفاتيح القرار المالي العالمي موجودة بين واشنطن والعواصم الخليجية، وبالتالي فإن باريس أعجز من أن تتمكن من انتشال لبنان من انهياره وأزماته المتلاحقة، وصولاً إلى إعادة إعمار ما تهدّم في بيروت ومرفئها!
والأهم هو طرح الأسئلة حول مدى اختلاف مصطفى أديب عن حسان دياب في ظل المعادلات الداخلية إياها، بدءًا من هيمنة “حزب الله” وتأثيره على مفاصل الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية، مروراً بعهد الرئيس ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل، وليس انتهاء بالمعادلات القائمة في مجلس النواب. وبالتالي يصحّ السؤال عن أي حكم وأي إصلاحات يمكن أن تبصر النور في ظل هذه المعادلات؟
وإذا كان لا بدّ من انتظار ما يمكن أن يحمله أديب من جديد لناحية التشكيلة الحكومية التي قد يطرحها، فإن الأسئلة تكرّ أيضاً حول ما إذا “حزب الله” ورئيس الجمهورية والنائب باسيل سيتركان الحرية للرئيس المكلف في تشكيل حكومة منسجمة وفق رؤيته لطريقة الحكم، وما إذا كانت الأطراف السياسية ستصرّ على المشاركة في الحكومة لتصبح مستنسخة عن حكومة دياب مع مروحة مشاركة أوسع لتشمل تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في ظل رفض “القوات اللبنانية” المشاركة؟
الثابت في ظل كل ما تقدّم أن المرحلة التي نمرّ بها تبقى مرحلة انتقالية حتى ما بعد الثالث من تشرين الثاني المقبل، موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية واتضاح الصورة من واشنطن، لأن من يمكن أن يُجري تسوية ما مع طهران لن تكون حتماً باريس العاجزة عن تقديم أي شيء للإيرانيين سواء في لبنان أو في الملفين النووي والبالستي وفي ملف العقوبات.
بهذا المعنى يكون على اللبنانيين الاستمرار في الغرق مع وجوب الانتظار شهرين إضافيين لتبيان معالم الصورة الحقيقية التي لن تحتاج لـ”أديب”، بل ستحتاج لـ”خبير” في التقاطعات الأميركية- الإيرانية- العربية علنا نخرج عندها من الكابوس الذي طالت معاناته، على أمل ألا نكون انتقلنا مع الحكومة الجديدة “من الدلفة لتحت المزراب”!