Site icon IMLebanon

عملية “التكليف”… إبحثوا عن الألمان والفرنسيين

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

من استقالة حكومة حسان دياب الى تكليف مصطفى أديب كانت فرنسا هي المحور. أجمع غالبية الفرقاء السياسيين في لبنان على اسم رئيس لتشكيل حكومة جديدة. وأفضت الإستشارات النيابية إلى تكليف سفير لبنان لدى ألمانيا، الدكتور مصطفى أديب، برئاسة الحكومة وبعدد أصوات بلغ التسعين.

جاء الاتفاق على الرئيس المكلف استجابة للضغط الفرنسي الذي يبدي اهتماماً كبيراً بالعودة الى الساحة اللبنانية. تقاطعت هذه الرغبة مع كارثة المرفأ في الرابع من آب، حيث لم تعد حكومة دياب قادرة على الصمود وكانت تعاني ما تعانيه من حصار مزدوج من الخارج والداخل معاً. بقوة دخلت فرنسا ولولا أصرت وضغطت من اجل التسمية وتم تحديد موعد الإستشارات لكنا ما زلنا امام مفاعيل خلافات محلية. إتصل الرئيس الفرنسي برئيس الجمهورية يبلغه ان الرئيس سعد الحريري أعدّ لائحة مؤلفة من ثلاثة اسماء هي محمد الحوت ومدعي عام التمييز غسان عويدات ومصطفى اديب ليقع الاختيار على الاخير. النقطة الايجابية بالنسبة الى الثنائي الشيعي أن الحريري لم يضمّن اللائحة الأسماء الاستفزازية اي نواف سلام ومحمد بعاصيري أو اسماً من بين رؤساء الحكومات السابقين، كما استبعد من اللائحة كل من له علاقة بـ”تيار المستقبل” كي لا يبقى في الواجهة.

في قراءة اولية، خرج الحريري من الاستشارات يقول انا من يسمي رئيس الحكومة لا رئيس الجمهورية ولا المسيحيين ولا الشيعة. ضمن لائحته اسم رئيس الحكومة المكلف، منهم من يقول ان ذلك تم بتعاون مع الرئيس نجيب ميقاتي بناء على نصيحة شقيقه طه ميقاتي، لكن آخرين يجزمون ان التسمية أتت من الخارج ليتبناها الحريري ويسوق لها مع اسمين اضافيين. وتقول رواية هؤلاء، بعد أن فهم الحريري انه لن يكون رئيساً للحكومة لأسباب خارجية وداخلية أعلن عزوفه عن قبول التكليف، وامتنع عن اختيار اي شخصية من داخل تياره السياسي او من المقربين مباشرة اليه لوجود فيتو سعودي يشمله واياهم. لم يكن المسار الداخلي تصادمياً واعتبر الجميع ان للحريري حيثيته السياسية والطائفية التي تخوله تسمية المرشح للرئاسة الثالثة، فمُنح فرصة اضافية لإختيار من ينوب عنه.

هنا دخل الحريري في خضم اجتماعات ماراتونية لرؤساء الحكومات السابقين المصرين على تبني ترشيح السفير نواف سلام المرفوض من قبل باقي المكونات. ومع اعلان الرئيس فؤاد السنيورة إبقاء اجتماعاتهم مفتوحة ورفضهم الاعلان عن اسم المرشح قبل صبيحة الاثنين اي يوم الاستشارات، اتصل رئيس الجمهورية ميشال عون بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي طلب من الحريري ضرورة التسمية وضمن مهلة التزم بها وأبلغ ماكرون مساء السبت لائحة من ثلاثة اسماء. إتصل ماكرون برئيس الجمهورية يبلغه بالاسماء صباح يوم الاحد كما اتصل بأفرقاء آخرين ومن بينهم رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي لم يكن بوارد التسمية. فهم عون كما الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” ان الاتفاق هو على تسمية أديب الموجود اسمه إلى جانب اسمين آخرين لكل منهما عقبات تحول دون تكليفه. يحتاج عويدات الى آلية قانونية معينة تستلزم وقتاً لمعالجتها، فيما يعد الحوت من الاسماء غير المتفق عليها داخلياً. لم يكن اسم السفير مشابهاً للإسمين الآخرين ما فهم على وجود رغبة غير محلية على تبني ترشيحه. والقبول باسمه لم يكن لمجرد طرحه من قبل رؤساء الحكومات بل لكونه شخصية منفتحة على الغرب وتربطه علاقات معه، ويتقاطع مع نواف سلام لكونهما متحدرين من الوسط الديبلوماسي.

وإذا كان سلام سفيراً لدى الامم المتحدة فالرئيس المكلف كان سفيراً لدى كبرى الدول الاوروبية وصاحبة الديبلوماسية السرية في التعاطي مع الملفات. وفي ضوء ترشيح سلام انطلاقاً من كونه سفيراً له صلات مع الغرب، انطلقت عملية بحث هادئة عن شخصية سنية تربطها أيضاً علاقات مع الغرب، وجدها الفرنسيون في سفير لبنان لدى المانيا التي زكّت اسمه. ساعده فرنسياً زواجه من سيدة فرنسية والدها ديبلوماسي فرنسي سابق. يؤكد مشاركون في الاتصالات التي افضت الى ترجيح كفة أديب ان طبخة ترشيحه كانت خارجية تمّ الباسها لبوساً محلياً. إختلفت الآراء هنا حول حسابات الحريري، فبينما كان ينظر اليه فريق على كونه الخاسر الأول شخصياً لخروجه من سدة الرئاسة، وخسارة السنة الذين تركوا في لبنان فصارت الرئاسة الثالثة مكسر عصا ورئيسها الاكثر عرضة للتغيير، يرى الثنائي الشيعي ان الحريري خرج الرابح الاكبر. حصر تسمية الرئيس السني به شخصياً وليس بيد رئيس الجمهورية او الشيعة ولا المسيحيين، وان كل اجتماعات الثنائي الشيعي مع الفريق المسيحي لم تتمكن من الاتفاق على مرشح. وحده “اللقاء التشاوري” عبّر عن انزعاجه وخرج سنياً عن التوافق احتجاجاً على عدم وقوف “حزب الله” على رأيه، وخرج “الاشتراكي” مكرساً حضوره ودوره في المعادلة من جديد الى جانب الثنائي و”التيار” و”المستقبل”، فيما غردت “القوات اللبنانية” وحدها. الفارق بين دياب وأديب ان الاخير ليس محسوباً على “حزب الله” ويحظى بغطاء سني مصدره رؤساء الحكومات السابقون وضمنهم زعيم السنة سعد الحريري، وهو كلف بمساعدة فرنسية ستفتح امامه ابواب المجتمع الدولي وصندوق النقد للمساعدة. ومعنى تكليف مرشح الحريري تشكيل حكومة ليست من لون واحد بل بمشاركة “المستقبل” معنوياً، وسيكون الحريري معنياً بالمسؤولية عن انتاجيتها وبالتالي باتت الازمة الاقتصادية منقسمة على ثلاثة اطراف هي “8 و14” آذار والفرنسيون ما يساعد في بلورة الحلول والإصلاحات مطلوبة.

يعتبر الثنائي الشيعي انه من المبكر الحديث عن الحكومة، أقله لتبدأ المشاورات النيابية ولكن من حيث المبدأ ستكون حكومة تكنو سياسية، واذا كانت ممثلة بسياسيين مباشرة يعني ان “حزب الله” سيتمثل بمحازبين والا فسيكون وضعه كوضع بقية الاطراف، ولكن المهم ألا تكون حكومة على شاكلة حكومة حسان دياب.

ومع الخوف من ألا تكون خطوة التكليف أبعد من خطوة هدفها تمرير زيارة ماكرون، فإن إختيار مصطفى اديب ومجيء ماكرون ومواكبته لمسار التكليف، لا بد سينسحب على تشكيل الحكومة تحت عنوان سهلوا مهمة هذا الرجل الذي ستقرن تسميته بالادوات اللازمة لتشكيل حكومة ولمسار اصلاحي مطلوب دولياً، وهذا ما ستكشفه الساعات المقبلة ولا سيما إبان لقاء ماكرون مجدداً مع رؤساء الاحزاب في جلسة مطولة ستتناول الاتفاق على تفاصيل المراحل المقبلة.