حالة من الهلع خلقها الحديث حول إمكان وقف الدعم عن استيراد السلع الأساسية (قمح، دواء، محروقات). صحيح أن الاتجاه غير محسوم ولا المهل الزمنية محددة، إلا أن مصادر “المركزي” كانت حددت 3 أشهر كحدٍ أقصى قبل إعلان وقف الدعم. الحاكم رياض سلامة أعلن أن احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية بلغ 19,5 مليار دولار 17,5 مليار منها احتياطيات إلزامية أكد أنه لن يتم المسّ بها، أي لا يزال هناك مليارا دولار يمكن صرفها على الواردات الضرورية. هذا الواقع دفع بالمواطن، القادر بالكاد على تأمين لقمة العيش، إلى تخزين هذه السلع تحديداً المحروقات والأدوية تبعاً لقدرته المادية، فما مصير الأخيرة في حال رفع الدعم؟
نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة أوضح، لـ”المركزية”، أن “عندما قرّر مصرف لبنان بالتعاون مع وزارة الصحة دعم الدواء منذ سنة، كانت النقابة أوّل من جاهر بأن ذلك أنقذ القطاع الصحي والمريض. اليوم رفع الدعم، بغض النظر عن الأسباب الممكن أن تكون خارجة عن إرادته، سيكون بمثابة كارثة حتمية على الطرفين، حيث لا يمكن التوهّم حول موضوع أسعار الأدوية، والحقيقة أنها سترتفع بالنسبة نفسها التي سيسجّلها ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، فإذا كان الدولار الواحد يوازي مثلاً 7500 ل.ل. سيرتفع السعر خمسة أضعاف، لأنه محدد من وزارة الصحة (من الاستيراد وصولاً إلى هوامش ربح المستورد والصيدلي) بالتالي الدواء المسعّر بـ10 آلاف ليرة يصبح 50 ألفاً والمسعّر بـ100 يرتفع إلى 500”.
وعن اقتراح الرفع التدريجي للدعم، رأى جبارة أن “النتيجة واحدة، وذلك يساعد فقط على تطويل المدّة الزمنية”.
وشرح جبارة أن “المريض يسدد 35% من الفاتورة الدوائية، في حين أن الإحصاءات الدولية تظهر أن ما يفوق 55% من المواطنين يرزحون تحت خطّ الفقر، أما الآخرون فأحوالهم المادية غير ميسورة، فكيف يمكن تحمّل ارتفاع الأسعار 5 أو 6 أضعاف؟ من جهة ثانية، تغطّي الصناديق الضامنة 65% من الفاتورة الدوائية وميزانياتها محددّة رسمياً وبالليرة اللبنانية، وفقط الضمان الاجتماعي يحظى بإيرادات غير أنّها إلى انخفاض كون الرواتب تتراجع أو تختفي، من هنا كيف يمكن لهذه الصناديق مع ميزانياتها تحمّل ارتفاع الأسعار؟ فإما سيكون مصيرها الإفلاس أو ستضطر إلى تغطية 20% من المرضى فقط أو من الأدوية”.
واعتبر أن “الأسوأ يأتي في حال لجوء مستوردي مختلف السلع الحيوية إلى السوق السوداء، التي لا تتخطى قيمة السيولة فيها الـ5 أو الـ6 مليار دولار، هذا سيزيد الطلب فيها ما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف بطريقة جنونية من دون سقف، وتلقائياً ترتفع أسعار كلّ السلع الأخرى على أنواعها، إلى جانب انقطاع عدد كبير من السلع الأساسية”.
وطالب بـ”إعطاء الأولوية للقطاع الصحي وإدراجه في آخر قائمة القطاعات الممكن رفع الدعم عنها، كي نتمكن من حماية المواطن بصحّته ونساعده على مواجهة الأزمات الأخرى”، لافتاً إلى أن “الجميع يعرف تخوّف الدول الخارجية المانحة من مساعدة لبنان، واشتراطها تقديم الدعم بتطبيق الإصلاحات اللازمة. لذلك، طرحنا فصل القطاع الصحي عن الأخرى وعدم ربطه بالإصلاحات في المجالات كافّة والوضع الاقتصادي العام، والبدء بدعمه عبر تأمين السيولة لنتمكن من الاستمرار في تلبية حاجات السوق، على أن يكون ذلك خلال هذه الفترة الصعبة لحين التوصل إلى الحلّ على المدى البعيد بعد تطبيق الإصلاحات وعودة التدفقات بالعملة الصعبة بشكل طبيعي”.
واشار إلى أن “هناك موجة من الهلع مع التداول بأخبار ارتفاع سعر الأدوية أو فقدان بعضها نتيجة الاتجاه إلى رفع الدعم. ولأن المخزون دقيق، فإن ارتفاع الطلب ضعفين أو ثلاثة عن الحاجة الطبيعية سيؤدي إلى نفاده، لذلك نزوّد الصيدليات بالكميات تبعاً للحاجة العادية بالاعتماد على الطلب في الأشهر الماضية، أي المريض يحصل على دوائه لكن لا تسمح الكميات بالبيع بأعداد كبيرة، لأننا نتخوّف من أن يأخذ الشخص الميسور الكميات من أمام الفقراء غير القادرين ربما على شراء علبة دواء واحدة”.
وفي ما خصّ الحديث عن تخزين بعض الصيادلة كميات لإخراجها عند ارتفاع الأسعار، أكد أن “هذا الموضوع لا يدخل ضمن صلاحياتنا، لكن الأرجح أن التخزين صعب وسط حالة الهلع، ومن المفترض أن يؤدي ترشيد الاستهلاك إلى ضبط كلّ أشكال التخزين”.
وختم جبارة في الحديث عن انقطاع الأدوية، موضحاً أن “السلع غير المدعومة مثل المتممات الغذائية معرّضة للانقطاع، لأن المستورد قد يعجز عن إيجاد العملة الصعبة أو أنه رأى أن الأسعار سترتفع ولن يشتريها أحد. أما انقطاع بعض الأدوية فناتج عن سببين: تأخّر الاستيراد، والهلع الذي أدى إلى زيادة الطلب. وكون المخزون دقيقاً يمكن أن تنقطع بعض الأصناف لكن تعود وتتوفّر بعد حوالي الأسبوعين مع وصول الشحنات من الخارج”.