خلال لقائه مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية أمل أبو زيد في موسكو منذ أيام، كانت لافتة دعوة المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الى عقد طاولة حوار في بعبدا “بهدف الحفاظ على الأمن والسلام في البلد”، مشدداً على “أهمية إبقاء لبنان بعيداً من أي تدخل أجنبي”.
وتتزامن هذه الدعوة مع مواقف لبنانية داخلية صدرت في الآونة الاخيرة تدعو الى السير في اتجاه الدولة المدنية وخلع ثوب الطائفية الذي لم يقِ لبنان شرّ الحروب والفساد ولاقاها حثّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اثناء زيارته بيروت عقب تفجير المرفأ في الرابع من الجاري المسؤولين على ضرورة وضع عقد سياسي جديد يُحدث التغيير المنشود منذ عقود.
ومع ان هذه الدعوات الى التغيير الجذري سبق للانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الاول الماضي ان رفعتها تحت شعار “كلن يعني كلن” مع تحميل الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية “إفشال” العقد السياسي القائم بسبب فسادها وسياسة المحاصصة المُعتمدة، غير ان ما يجعل المراقب يتوقّف عندها انها تأتي من عواصم القرار المعنية بالملف اللبناني ما يوحي بأن تسوية يجري الاعداد لها في الكواليس الدولية تواكب التغييرات في المنطقة.
ويتولى الفرنسي التسويق لهذه التسوية انطلاقاً من الروابط التاريخية التي تربط فرنسا بلبنان، وأراد من احتفالية مئوية لبنان الكبير ان تُشكّل مناسبة لجمع الاطراف اللبنانيين من اجل التفاهم على عقد سياسي جديد يُخرج لبنان من اسوأ ازمة اقتصادية وسياسية يمرّ فيها منذ انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف.
ولا يبدو ان باريس هي وحدها من تعمل على نسج خيوط هذه التسوية ولو انها المتصدّرة الآن المشهد اللبناني من خلال الزيارتين لماكرون في اقل من شهر والتصريحات على لسانه ولسان مسؤولين في الاليزيه التي احاط بها الملف اللبناني منذ انفجار مرفأ بيروت.
فإلى جانب باريس، يبرز في الافق دور لموسكو في تعبيد الطريق لهذا العقد السياسي الجديد وظهر ذلك في لقاء بوغدانوف مع المستشار الرئاسي للشؤون الروسية النائب السابق امل ابو زيد وما رشح عنه من مواقف تصبّ في هذا الاتجاه.
وبحسب اوساط ديبلوماسية غربية تحدّثت لـ”المركزية”، فإن المسؤولين الروس حثّوا الرئيس ميشال عون على عقد طاولة حوار وطني في بعبدا تواكب التطورات السياسية التي شكّل استحقاق الحكومة، تكليفاً وتشكيلاً مدخلها، بحيث يجمع ممثلي المكوّنات السياسية حول طاولة لبنانية للبحث في الازمة والمخارج والتعديلات الضرورية على الدستور والعمل على اكمال تطبيق بنود الطائف وفق الآلية الموضوعة مع استعجال تنفيذ اللامركزية الادارية الموسّعة التي وضع قانونها الرئيس السابق ميشال سليمان في نهاية عهده.
ومع ان عقد طاولة حوار في بعبدا تحديداً لن يلقى تجاوباً من قوى سياسية عدة، بسبب التباعد بينها وبين عون وفريقه السياسي حيال ملفات عديدة، غير ان الضغط الدولي في هذا المجال “سيفعل فعله”، ويكفي ما كشفته صحيفة “لو فيغارو” امس عن ان الرئيس ماكرون “هدد” اركان الطبقة السياسية بعقوبات قاسية ما لم يتجاوبوا مع المقترحات الدولية لإخراج الازمة اللبنانية من عنق زجاجة التعطيل والشروط والفساد.
على اي حال، وفي انتظار ما ستحمله الايام من مستجدات، لاسيما على خط تشكيل الحكومة ونوعية الوزراء التي ستضمّ، كشفت الاوساط الديبلوماسية عن زيارة قد يقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى بيروت قريباً، وتحديداً بعد تشكيل الحكومة من اجل اعطاء دفع للمبادرة-التسوية الفرنسية من دون ان تستبعد ان يحمل معه مساعدة روسية الى لبنان عبارة عن الاف الاطنان من القمح بعد ان انفجرت الاهراءات في المرفأ.