كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
قالت الكتل النيابية الكبرى كلمتها وسمّت السفير مصطفى أديب رئيساً للحكومة ليدخل نادي رؤساء الحكومات في أخطر مرحلة من تاريخ لبنان، وسط اعتراض شعبي على تكليفه لأن الكتل الكبرى إختارته على عجل من دون أخذ رأي الثورة.
مصطفى أديب، إسم من خارج نادي العائلات السنية الكبرى أو رجال المال والأعمال يقتحم المجال السياسي ويصبح السني الأول، هو ليس إبن صائب سلام أو رفيق الحريري أو عمر كرامي، إنما يتحدّر من أسرة شمالية متواضعة، بنى نفسه بنفسه، وتفوّق في مجال السياسة ودرّس في أفضل الجامعات في لبنان وفرنسا.
إنطلاقاً من تجربة شخصية، تعرّفت على الدكتور مصطفى أديب في خريف 2006 عندما كان يُدرّس مادة تاريخ العالم العربي في السنة الأولى علوم سياسية في الجامعة اللبنانية، ويُجمع الطلاب الذين تعرّفوا عليه على أنه شخصية مرموقة ذات مظهر خارجي لائق وشبابي، والأهم أنه يحمل مضموناً سياسياً وواسع الإطلاع. بعد جولات من النقاش معه، طرحت عليه سؤالاً وهو: “أنت تختزن كل هذه المعلومات وواسع الإطلاع في مجال السياسة الدولية والقوانين الدولية أيضاً ومثال لكل طالب، فلماذا لا تتقدّم خطوة إلى الأمام وتدخل المجال السياسي وتترشح إلى النيابة مثلاً، فكان جوابه: “إن السياسة النظرية ليست مثل التطبيق على الأرض، فهناك واقع سياسي لا يمكن تجاوزه، والأمنيات والأحلام ليست مثل ما تواجهه عندما تقرّر خوض المعترك السياسي لأن لبنان معقّد”.
طوال فترة التدريس، وخصوصاً المرحلة التي تلت حرب تموز 2006، كان أديب يُحافظ على موضوعيته، فهو لم يكن يوماً إلى جانب “حزب الله” أو “التيار الوطني الحرّ” بل كان أقرب إلى فكر “14 آذار”، لكن هذا الأمر لم يدفعه إلى ركوب الموجات، بل ظلّ يرى الأمور بموضوعية تامّة ويُحلّلها بما تقتضيه قواعد اللعبة السياسية الداخلية والدولية. وفي معرض حديثه عن لبنان وسياسة العالم العربي، كانت له دائماً نظريّة بأن كل ما يُحكى عن تقدّم المحور السوري ليس صحيحاً، وهذا الكلام في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2010، أي قبل إندلاع الحرب السورية، إذ يؤكّد أن السعودية الآن هي في الطليعة، من ثمّ مصر وبعدهما سوريا وليس العكس.
يرى معظم الطلاب الذين درسوا واستمعوا إلى محاضرات الدكتور أديب أنه الرجل العربي المنفتح المتأثر بالثقافة الأوروبية والغربية، وهو كان يُدرّس في جامعات فرنسا، وهذا الأمر ساعده في تسمية باريس له رئيساً للحكومة، إضافةً إلى دعم ألماني نظراً إلى أنه كان يشغل مركز سفير لبنان في برلين.
من الخطأ في مكان مقارنة أديب بالرئيس المستقيل حسان دياب، إذ إن شخصيته مختلفة تماماً فهو متواضع وواقعي وموضوعي وليس نرجسياً بعكس دياب، الذي ظنّ أنه بات مالك الدنيا وشاغل العالم، لكن بغض النظر عن المواصفات الشخصية، فإن أديب أمام مهمة صعبة، فهو الممتهن السياسة الدولية يعرف جيداً أن تفكيره العربي والغربي سيصطدم بواقع مرير وهو أن لبنان يقع تحت النفوذ الإيراني الذي حوّل بلد الأرز إلى مزرعة، وبالتالي فحتى لو وافق “حزب الله” على تسميته لأنه ليس شخصاً إستفزازياً، إلا أنه سيضع أمامه العراقيل في كل إستحقاق.
يطمح أديب إلى أن يُعيد لبنان إلى الحضن العربي وأن يطوّره ليعود مثلما كان وقريباً من النموذج الأوروبي، لكن الفرس وحلفاءهم سيكونون في المرصاد، وبالتالي فإن أديب قادم على مهمة سياسية صعبة، والأصعب هو الوضع الإقتصادي.
وبات واضحاً أن أديب يحظى بمباركة أوروبية رفيعة، وهو يفضّل النموذج الأوروبي التطوري على الأميركي ويتمسّك بالقيم اللبنانية حتى النهاية، وهو قالها مرّة غاضباً: “إذا صادفْنا رجلاً مسنّاً في لبنان نأتي إليه ونقبّل يديه إحتراماً وإجلالاً لعمره وكل نضالاته، أما في أميركا فالقيم ليست مهمّة، إذ يتخلّون عن المسنّ ويضعونه في مأوى العجزة”.
وفي السياق، فإن الأنظار تتّجه إلى كيفية تعامل السعودية والخليج وواشنطن مع تكليف أديب، وهل يستطيع أن يفتح الأبواب المقفلة، أم أن سياسة العزلة ستبقى مستمرة طالما أن العماد ميشال عون موجود في بعبدا و”حزب الله” يسيطر على القرار السياسي والأمني، في حين يواجه أديب مهمة التخلّص من سطوة القوى التي سمّته رئيساً للحكومة؟! ويبقى الأهم أن لا يُخيّب أديب آمال كل من عرفه وأن يعلم أن هناك ثورة فاعلة تراقب وتحاسب ولا تغرّه الكرسي ويطبّق كل ما كان ينادي به، لا أن يتحوّل مثل كل مسؤول يصل إلى الحكم، فالمطلوب واحد وهو أن يطبّق ما كان يؤمن به على رغم المعرفة بصعوبة الأوضاع وأنه يتسلّم بلداً منهاراً وهو الذي كان يحذّر الطلاّب دائماً قائلاً: “إننا سنصل إلى الهاوية إذا ما استمر الصراع الدولي على أرض لبنان واستمرت الإدارة السيئة للدولة اللبنانية”.