كتب طوني ابي نجم في “نداء الوطن”:
أراد البعض للوهلة الأولى أن يجري مقارنة، على قاعدة تشابه الإسمين، بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة في لبنان مصطفى أديب. وإذا كان الإسمان يتشابهان، إلا أنّ لا الظروف ولا المعادلات تتشابه ما بين التسوية في العراق بين واشنطن وطهران والتي أوصلت مصطفى الكاظمي، وما بين التسوية في لبنان بين باريس وطهران والتي أوصلت مصطفى أديب رئيساً مكلّفاً.
في العراق، اضطرّت إيران مُرغمة على القبول بالكاظمي، مدير الإستخبارات السابق الأميركي الهوى والذي اتّخذ مجموعة من القرارات والإجراءات الجريئة في مواجهة الميليشيات الإيرانية وبالإنفتاح على السعودية ووقف التعامل الإقتصادي مع إيران. أمّا في لبنان، فاضطرّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يستجيب للمواصفات الإيرانية بتسمية رئيس حكومة مكلّف من دون لون أو طعم أو رائحة، وعاجز بطبيعة الحال عن خوض أي مواجهة سياسية مع “حزب الله”. لا بل على العكس من ذلك، من المرجّح أن يكون مطواعاً لإرادة “الحزب”، ما يريح إيران في لبنان في انتظار المفاوضات الحقيقية مع الولايات المتّحدة بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني المقبل.
لا يمكن لفرنسا، المنبطحة أمام إيران منذ الإتفاق النووي، أن تحصل من نظام الملالي على أي مكسب استراتيجي، باستثناء وعود باستثمارات اقتصادية محتملة في الداخل الإيراني، والسماح لباريس بلعب دور الوسيط في لبنان. ولا يمكن الرهان على أي دور فرنسي فعلي في لبنان طالما القرار الاستراتيجي في لبنان هو بيد إيران، وطالما القرار المالي الاستراتيجي لإنقاذ لبنان هو في واشنطن والرياض وأبو ظبي والكويت.
بناء على كل ما تقدّم، لا يمكن للرئيس المكلّف في لبنان مصطفى أديب أن يكون “المصطفى المختار” لقيادة عملية الإنقاذ المطلوبة، الإنقاذ المالي والاقتصادي كما الإنقاذ من الهيمنة الإيرانية، ولن يكون له شرف المحاولة على طريقة مصطفى الكاظمي العراقي، لأنّ الدعم الذي يحظى به “المصطفى اللبناني” لا يتخطّى عتبة تمرير الوقت في المرحلة الضائعة حتى الإنتخابات الأميركية. فلا الإصلاح ممكن لأي حكومة بمعزل عن قرار “حزب الله” الذي يعاني من ضائقة مالية كبرى تحتّم عليه عدم السماح بأي مسّ بمصادر تمويله الخارجة عن الشرعية، ولا الإنقاذ المالي ممكن في ظلّ القرار الأميركي – العربي بحجب الأموال عن لبنان الواقع تحت هيمنة “حزب الله”.
المؤسف في ما جرى أن تكون التسوية الفرنسية – الإيرانية على الساحة اللبنانية حصلت بمباركة سنيّة داخلية على طريقة تقديم المزيد من التنازلات أمام “حزب الله” من دون أي مقابل، لا بل إنّ هذه التنازلات ستنعكس سلباً وبقوّة على الساحة السنّية اللبنانية الناقمة على الأداء المتخاذل لقياداتها.
إنّها العودة المتجدّدة إلى منطق “ربط النزاع” مع “حزب الله”، في حين أنّه لم يعد ثمّة ما يمكن ربطه بعدما أحكم “الحزب” سيطرته على كلّ مفاصل البلد ومؤسساته!