أكد رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن “تحديد موعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية إلى لبنان وإصراره على القيام بها عجّل بإعلان رئيس الجمهورية عن إجراء الاستشارات النيابية الملزمة. بعدما كان يتلكأ في ذلك، وهو كانت له سابقة في مماثلة عند تأليف حكومة الرئيس حسان دياب، وذلك لمدة خمسين يوما. هذه المرة أيضا أخر دعوته لتلك الاستشارات الملزمة لما يزيد قليلا عن عشرين يوما”.
وقال، في حديث لقناة “الجزيرة”: “لذلك، أعتقد أن زيارة الرئيس الفرنسي اليوم شكّلت عامل ضغط على رئيس الجمهورية، ولاسيما أن الرئيس ماكرون وعد اللبنانيين بأنه سيأتي ويعمل ما بوسعه ليقدم كل مساعدة ممكنة للبنان. وذلك أيضا ما أدى إلى مبادرة معظم الفرقاء السياسيين اللبنانيين، ومنعا للاحراج، في محاولة إظهار الرغبة في التعاون. هذا ما ظهر في تسهيل عملية التكليف التي حصل بموجبها مصطفى أديب على تسعين صوتا، وأصبح بموجبها الرئيس المكلف”.
وأضاف: “الآن، وبعد الذي حصل، فإن كل ما نأمله ان يستمر هذا التعاون الموعود، وليس أن يقتصر فقط على عملية اجراء الاستشارات وتمرير عملية التكليف، ولكن بأن يسري هذا التعاون أيضا على عملية التأليف نظرا الى حاجة لبنان الماسة الآن الى إنجاز تأليف الحكومة العتيدة ليكون له، وفي أقرب وقت، حكومة قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة من اجل الشروع بالعمليات الإصلاحية التي يحتاجها البلد. وأيضا من أجل المسارعة لإجراء المعالجات الصحيحة لهذا الكم الكبير من المشكلات المتراكمة، وأن تتمكن هذه الحكومة ومن خلال دقة مقارباتها وصوابية بوصلتها وحسن أدائها، من البدء باستعادة ثقة المواطنين التي انهارت بالدولة والحكومة اللبنانية وبالمسؤولين في هذا العهد”.
وردا على سؤال عن أسباب تسميته مصطفى أديب لتأليف الحكومة، أجاب: “هناك انطباع عام أصبح سائدا لدى غالبية اللبنانيين بالحاجة إلى الخروج من سلسلة لا تنتهي حلقاتها من الضغوط والضغوط المقابلة التي يمارسها السياسيون اللبنانيون ضد بعضهم بعضا، ولاسيما أنه جرى بنتيجة تلك الممارسات استتباع الدولة اللبنانية وطغيان وسيطرة الدويلات الطائفية والمذهبية والمليشياوية على الدولة اللبنانية. وبالتالي، أصبح كل فريق سياسي يصر على الاحتفاظ لفريقه أو لحزبه بإدارة معينة أو وزارة محددة، مما أسهم وإلى حد بعيد، بفقدان الحدود الدنيا اللازمة من الحوكمة في الإدارة اللبنانية، وإلى تفشي الفساد السياسي في لبنان على نطاق واسع. في المقابل، فقد ازداد الإدراك لدى الكثير من الشباب اللبنانيين بالحاجة لأن تكون هناك حكومة وإدارة لبنانية مستقلة بعيدة عن التأثيرات السلبية للسياسيين وبعيدة عن طغيان تلك الأحزاب، وأن تتألف الحكومة العتيدة من مجموعة مستقلة ومتجانسة من أصحاب الكفاءات التي يمكن لها أن تتولى هذه المسؤوليات الجسام”.
وأردف قائلا: “هنا أود أن أوضح أمرا ينبغي التنبه إليه وهو ما دفعنا نحن كرؤساء الحكومة السابقين لاقتراح اسم مصطفى أديب لتأليف الحكومة كشخص من خارج المجموعات السياسية القائمة حاليا في لبنان. ذلك أنه إذا ما جرى اعتماد الحل القاضي باقتراح اسم شخصية سياسية أو شخصية لها امتداداتها السياسية، فذلك سوف يعني دعوة صريحة إلى بقية الأحزاب السياسية لكي تطالب أيضا بحصتها. وهذا هو الامر الذي لا يحتاجه لبنان، بل عليه أن يتجنبه في هذا الظرف بالذات، إذ أن الحاجة أصبحت ماسة لوجود حكومة انقاذ بالمعنى الحرفي للكلمة. لذلك كان الاقتراح بوجوب الاستعانة بشخص يتمتع بهذه الصفات والمواصفات، وأيضا المطالبة بأعضاء للحكومة يتمتعون بالكفاءة والمعرفة في حقول معينة ولديهم الحد الأدنى من الحس ومن المعرفة السياسية لكي يصار إلى تأليف فريق عمل متجانس يتولى هذه المهمة الصعبة”.
وعما إذا كان مصطفى أديب جاء بالطريقة نفسها التي أتى بها جميع رؤساء الوزارات خلال هذه الحقبة او الماضية وأنها مسألة محاصصة وطائفية، قال: “أنا أقدر مواقف واعتراضات الكثيرين الذين يعبرون عن هذه الخشية. ولكن اعتقد ان هذا الامر يحتاج بداية إلى وضوح في التوجهات والمنطلقات، وكذلك إلى بعض الصبر والتبصر. حاجة لبنان كبيرة وملحة وإلى حد كبير لوجود فريق عمل على رأس السلطة في لبنان يكون مختلفا عن طبيعة الحكومات الماضية، ولا سيما بسبب الانهيار الكبير في الثقة لدى المواطنين بالغالبية الساحقة من السياسيين. لذلك كان الاقتراح الذي قدمناه في تكوين فريق عمل من أصحاب الكفاءات لتولي هذه المهمة”.
وأضاف: “المطلوب الآن الالتزام بهذه المنطلقات والقواعد، وهناك حاجة ماسة لممارسة بعض الصبر لنرى كيف ستكون عليه نتيجة عملية التأليف للحكومة العتيدة، وعندما تظهر النتيجة يمكن الحكم كيف ستكون ردات الفعل. إذا انجلى عن عملية التأليف تشكيلة حكومية تمثل هذه الأحزاب الطائفية والمذهبية أو بدا أنها ستكون منصاعة لهم كما جرى مع حكومة الرئيس دياب، فذلك يعني ان هذه العملية قد فشلت ونكون عدنا إلى المربع الأول مع ما سيعنيه ذلك من مآس واضطرابات لا حد لها ولا حصر”.
وتابع: “أعتقد، وكما لمست من الموقف والاستعداد الذي عبر عنه اليوم الدكتور مصطفى أديب، بأنه راغب في تأليف حكومة مصغرة مؤلفة من أصحاب كفاءات وألا تكون لأي عضو منهم امتدادات سياسية مباشرة مع مختلف الاحزاب والفرق السياسية. مع الأخذ بالاعتبار أن جميع اللبنانيين مسيسون، ولكن هناك فرق بين أن يكون أعضاء الحكومة يفهمون بالسياسة أو أنهم يلتزمون بخط سياسي معين، وهذان شيئان مختلفان”.