كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
قالت مصادر سياسية مواكبة للقاءات المتنقّلة التي يعقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المكوّنات السياسية الرئيسة في البلد بالتلازم مع ممثلين عن هيئات المجتمع المدني، إن معظم الأطراف ذهبت بعيداً في تفسيرها لدعوته إلى التوافق على عقد اجتماعي سياسي جديد، وهذا ما أوقعها في تباين ليس في محله، وعزت السبب إلى أنه لم يقصد من دعوته هذه التفاهم على نظام سياسي جديد بديل لاتفاق الطائف.
وأكدت المصادر السياسية أن ماكرون يتطلع من خلال دعوته لعقد اجتماعي سياسي جديد إلى حث المنظومة الحاكمة والقوى السياسية الأخرى على أن تعيد النظر في النهج والأداء والسلوك الذي كان وراء الانهيار المالي والاقتصادي الذي أوصل البلد إلى الهاوية.
ولفتت لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ماكرون يدرك جيداً أن مهمته تقوم أولاً وأخيراً على إنقاذ البلد ووقف انهياره اليوم قبل الغد لأن عامل الوقت لا يسمح بهدر الفرص، وبالتالي لا بد من التفاهم على تشكيل حكومة جديدة مهمتها الإسراع بتنفيذ ورقة تفاهم تنطلق من تحقيق الإصلاحات المالية والإدارية ليكون في وسعها الإفادة من عودة الاهتمام الدولي بلبنان الذي من دونه لا يمكن تأمين جرعات من الأكسجين للانتقال بالبلد من الانهيار إلى التعافي على مراحل.
وقالت إن ماكرون يشدد على أن يتلازم تشكيل الحكومة مع التوافق على العناوين الرئيسة لخطة الإنقاذ التي تكون بمثابة البيان الوزاري للحكومة شرط أن يلتزم بها جميع الأطراف من دون إخضاعها لاحقاً للتعديل والابتزاز.
واعتبرت أن ما قصده ماكرون بدعوته للتوافق على عقد جديد يبقى في حدوده المالية والاقتصادية التي تدفع باتجاه استعادة الثقة الدولية بلبنان على أن يسبقها انفتاح الحكومة برئاسة مصطفى أديب، على مطالب الحراك المدني والاستجابة لتطلّعات الشباب في التغيير والإصلاح على قاعدة تسليم من يعنيهم الأمر بقيام دولة القانون والمؤسسات بدلاً من المحاصصة وتوزيع الغنائم.
ورأت أن ماكرون الذي يراهن على عامل الوقت يتوخّى من دعوته لعقد اجتماعي جديد، حشر المنظومة الحاكمة أكانت في الموالاة أو في المعارضة، وقالت إنه لكل هذه الأسباب والدوافع مجتمعة لم يكن يقصد بدعوته هذه إعادة إنتاج نظام سياسي جديد، وإنما إنتاج سلطة جديدة توحي بالثقة غير تلك التي باتت مرفوضة من الذين شاركوا ويشاركون في الانتفاضات ضد الحكومة والحكم على السواء.
وعزت السبب إلى أن مجرد فتح الباب أمام تغيير النظام يعني حكماً أن مثل هذا الطرح سيُقحم البلد في سجالات قد تطول وهذا ما يأخذ البلد إلى الهاوية ويُفقده فرصة الإفادة من الاهتمام الدولي.
وأوضحت هذه المصادر أن ماكرون لم يحضر ثانية إلى بيروت لرعاية حوار يتعلق بإصلاح النظام السياسي وإدخال تعديلات عليه في ظروف اقتصادية ومالية بالغة الخطورة وانقسامات سياسية حادة وإنما لحث الأطراف على التقاط الفرصة الأخيرة وبمساعدة فرنسية لانتشال لبنان من الهاوية.
وقالت إن مجرد لجوء هذا الفريق أو ذاك إلى تحوير ما قصده ماكرون بتشكيل «حكومة مهمات» يعني أن هناك من يريد إقحامه في جدول أعمال لا شأن ولا علاقة له به، وإلا لماذا لم يتطرق إلى سلاح «حزب الله» الذي يشكل مادة خلافية بين اللبنانيين وهذا باعتراف القيادات التي التقته في قصر الصنوبر في زيارته الأولى لبيروت؟ لأن مجرد طرحه سيدفع باتجاه تأزيم الوضع.
ورداً على سؤال، أكدت المصادر أن تشكيل الحكومة وقبل أن يباشر الرئيس المكلف أديب التشاور اليوم مع الكتل النيابية للوقوف على رأيها بمواصفات الحكومة العتيدة يخضع حالياً إلى تجاذبات بين موقف يتزعّمه رؤساء الحكومات السابقون بدعوته لحصر التأليف بوزراء اختصاص لديهم إلمام بأحوال البلد على المستويين الاقتصادي والمالي، وآخر يقوده رئيس المجلس النيابي نبيه بري -كما تقول مصادر نيابية- ويقوم على أن تتشكل الحكومة من وزراء اختصاص يشغلون جميع الحقائب وآخرين وزراء دولة بلا حقائب.
وكشفت أن ماكرون أُحيط علماً بوجود هذين الرأيين، وهذا ما يضيف إلى مهمته مهمة أخرى للتوفيق بين هذين الموقفين، وقالت إن من يطالب بتطعيم الحكومة بوزراء دولة، يتسلّح بنظرية مفادها أن وجود هؤلاء أكثر من ضروري لضبط أداء الحكومة من الوجهة السياسية لئلا يصيبها ما أصاب حكومة حسان دياب التي أوكلت الشأن السياسي إلى القوى الداعمة لها، وهذا ما أدى إلى إحراجها وتقديمها للرأي العام على أن هناك من يصادر قرارها. فهل يوفّق ماكرون في ابتداع مخرج يستعجل ولادة الحكومة بدلاً من أن تواجه أزمة قبل تأليفها؟ وماذا عن ترجيح البعض أن لقاء «قصر الصنوبر» قد يتحول إلى طاولة للحوار برعاية فرنسية توكِل إلى أبرز المكوّنات السياسية المشارِكة فيها النظرَ في القضايا الخلافية وتحييدها عن طاولة مجلس الوزراء؟