IMLebanon

ماكرون حدّد الرسم التشبيهي للحكومة اللبنانية العتيدة وبرنامجها وإلّا… العقوبات

 

«على المكشوف» لعِب الرئيسُ الفرنسي إيمانويل ماكرون أوراقَه في الملف اللبناني الذي دَخَلَه بقوةٍ على وهج  «الانفجار الهيروشيمي» في بيروت التي تُعانِد رغم كل جراحِها جاذبيةَ السقوط في «الحفرة العملاقة» في مرفئها، حيث مسرح «جريمة القرن» (إهمالاً أو تخريباً أو اعتداءً)، والتي تُصارع أصلاً رياح المواجهات الاقليمية الكبرى.

وبلغة الروزنامة والأجندةِ المحدّدةِ النقاط، رَسَمَ ماكرون في الزيارة الثانية التي يقوم بها لبيروت خلال أقلّ من شهر، الإطارَ الواضحَ لمدّ لبنان بـ«جرعة الأوكسجين» من الدعم المالي لإخراجه من «الموت السريري» وإطلاق مسار إعمار بيروت وتعزيز مناعته بوجه جائحة «كورونا»، وذلك على قاعدة شقّ طريق الإصلاح الشاقّ عبر الحكومة الجديدة التي يُعتبر الرئيس الفرنسي عرّابَها وبات أقرب إلى «الوصيّ» على استيلادها، بالضغط السياسي كما في «الميدان»، لتأدية مهمةٍ تراعي الشروط التقنية للمجتمع الدولي، على أن يبقى الجانب السياسي الأهمّ من الأزمة اللبنانية والذي يُعنى به «حزب الله» بالدرجة الأولى رهنَ دينامية الضغط الأقصى الأميركي التي قد تعطي «فرصةً» لباريس لانتزاعِ «الهدف» الإصلاحي الذي تعتبره واشنطن مدْخلاً (ولا سيما في ما خص ضبط المعابر الحدودية) لتقزيم أدوار الحزب العابرة للحدود.وحتى قبل أن يغادر ماكرون بيروت، حرص على «ربْط» موعد مع زيارة ثالثة في ديسمبر المقبل، لعودةٍ بدا واضحاً أنّها ستكون محطة مفصلية، فإما يكون قطار الإصلاحات الجدية (في الكهرباء والقطاع المصرفي والقضاء والفساد) انطلق بقوةٍ وتم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي عبر الحكومة التي سيواكب الرئيس الفرنسي تأليفها الذي يريده على طريقة «الآن وليس غداً»، وإما «سأغيّر مساري وسنحجب خطة الإنقاذ المالية ونفرض عقوبات على الطبقة الحاكمة» وفق ما أبلغ إلى مجلة «بوليتيكو» الأميركية، مؤكداً «أن الأشهر الثلاثة المقبلة أساسية للتغيير الحقيقي في لبنان».

وكما في محطة 6 أغسطس اللبنانية، تعمَّد ماكرون توجيه الرسائل المباشرة إلى الطبقة السياسية، في الشكل كما المضمون، خلال زيارته أمس التي جاءت في الأساس للمشاركة في إطفاءِ شمعة المئوية الأولى لـ «لبنان الكبير» الذي أعلن الجنرال غورو تأسيسه في الأول من سبتمبر 1920 على أنقاض الامبراطورية العثمانية التي انهارت عقب الحرب العالمية الأولى، والذي دشّنت ولادته مرحلةَ الانتداب الفرنسي وصولاً إلى استقلال 1943.

وإذ خفتتْ المَظاهرُ الاحتفاليةُ بـ «المئوية» التي اقتصرتْ على استعراضٍ جوي فرنسي، رُسمت خلاله ألوان العَلم اللبناني في السماء مرتين، الأولى خلال زرع ماكرون صباح أمس شجرة أرز في محمية جاج أو بعيد وصوله (بتأخير نحو 45 دقيقة) إلى الاستقبال الرسمي الذي أقامه له نظيره اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا قبل مأدبة الغداء، لم يكن عابراً أن يترافق طيّ صفحة قرنٍ على «لبنان الكبير» مع رزمةِ أزمات فتّاكة باتت تضع البلاد أمام أسئلةٍ «وجودية» ليس أقلّها هل انتهى لبنان الذي كان، وهل ما زال ممكناً ترميم الوطن «المحطّم»، وصولاً إلى صعود نجم الدعوات المعلنة كما المضمرة (بدأت مع ماكرون وأكملت مع «حزب الله» وعون) إلى نظامٍ جديد على متن عناوين مثل الميثاق الجديد أو العقد السياسي الجديد أو الدولة المدنية أو المثالثة المكتومة، والتي رغم عدم توافر أرضية جدية لها، إلا أنها يُخشى أن تكون بمثابة «زرْعِ بذرةٍ» تستفيد من المناخ الشعبي الغاضب على مجمل الطبقة السياسية لتكريس «فشل النظام» وترْك توقيت «قطف ثمار» تطويره أو تغييره رهْن موازين القوى ولحظة التسويات الكبرى والمقايضات في المنطقة.

وفي موازاة تأكيد الرئيس الفرنسي (من قصر بعبدا)، الذي بدا وكأنه يطرح نفسه راعي «لبنان الجديد» في بداية مئويته الثانية، «ان رسالة لبنان، وهو في ذاته وعدٌ لنفسه، ترتدي أهمية أكثر مما كانت عليه قبل مئة عام، والرسالة التي يشكلّها لبنان وهو في قلب فرنسا؛ عشق غير مشروط للحرية وتعلق بالمساواة بين المواطنين، إضافة الى ارتباط بما نسميه تعددية»، فإنه أطلق مواقف انطوت على فكّ «الشيفرات» المتّصلة بالمبادرة الفرنسية وخلفياتها