كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
دافعت مصادر مقربة من رؤساء الحكومات السابقين عن موقفهم تشكيل حكومة من اختصاصيين ومهنيين لأن مهمتها تنفيذية بامتياز وتبقى محصورة في تبنّيها للورقة الإصلاحية وإدراجها في صلب البيان الوزاري لانتفاء الحاجة إلى تمديد الوقت لإنجازه تمهيداً لطلب نيل الثقة من البرلمان، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أن اختيار هذه العيّنة من الوزراء لا يعني أنهم لا يتمتعون برؤية سياسية شرط ألا تكون لهم انتماءات حزبية أكانت مباشرة أو مقنّعة.
ولفتت المصادر المقرّبة إلى أن قرار رؤساء الحكومات السابقين بعزوفهم عن الترشُّح لتولي رئاسة الحكومة وتأييدهم لترشيح سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب، لتولّي هذا المنصب يعود إلى أنهم يتطلعون لتشكيل حكومة تشبه رئيسها، لقطع الطريق أمام تكرار التجربة التي أسقطت حكومة الرئيس حسان دياب، وكان للقوى الداعمة له دور في إسقاطها.
ورأت أن رؤساء الحكومة السابقين اتخذوا قرارهم لجهة تأمين كل الشروط لإنجاح تجربة المجيء بحكومة لا تخضع لسيطرة الأحزاب، وقالت إنهم سيشكّلون رافعة لتعطيل الألغام التي تعترض المهمة الإنقاذية لهذه الحكومة المدعومة بلا تردد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبالتالي فإن فشل رئيسها ينسحب عليهم مباشرة، وهذا يُملي عليهم التمسك بالمواصفات للعبور بها إلى بر الأمان وعدم إخضاعها إلى الابتزاز من هذا الطرف أو ذاك أو السماح للبعض بالتعاطي معها كأنه سجّل انتصاراً على خصومه.
وقالت المصادر نفسها إن ما لا يريده رؤساء الحكومات لأنفسهم لن يسمحوا للآخرين بأن يتجاوزوا الخطوط الحمر وصولاً إلى السيطرة عليها، كما حصل مع تشكيل حكومة دياب. ورأت أن ماكرون قام بمهمة استثنائية كانت وراء تبنّي الجميع للورقة الإصلاحية التي يراد منها تحرير مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان على النهوض من أزماته المالية والاقتصادية والإعداد للوصول إلى تفاهم مع صندوق النقد الدولي لدعم الخطة المالية لتعافي لبنان ووقف انهياره وانتشاله من قعر الهاوية. وأضافت أن الورقة الإصلاحية تأخذ بعين الاعتبار مكافحة الفساد وإعادة التدقيق في الحسابات المالية لمصرف لبنان والدولة، وتحقيق الإصلاح في القضاء لأن من دونه من غير الجائز إصلاح الإدارة وتطهيرها من كل أشكال الفساد، وقالت إن ماكرون يُدرج مراجعة نظام الكهرباء وإصلاحه كبند أساسي في الورقة الإصلاحية، وإلا لما اضطر إلى الإشارة إلى الفساد الموجود في قطاع الكهرباء، وهذا ما يشكل تحدّياً لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي يصر على تجاهله في معرض إصراره على التصدي للفساد ومكافحته.
ورأت أنْ لا لزوم لتطعيم الحكومة بسياسيين ما دامت خريطة الطريق لإنجاحها كمعبر إجباري لتصحيح علاقات لبنان الدولية والعربية، وقالت إن تصويب هذه العلاقات يشترط منع هذا الفريق أو ذاك من السيطرة على الحكومة، وخصوصاً تحالف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» الذي كان وراء تدمير علاقات لبنان بعدد من الدول العربية.
وكشفت أن عون أبدى كل استعداد إيجابي للتعاون مع الحكومة، وهذا ما أبلغه إلى ماكرون، وسألت: هل يسري استعداده على جبران باسيل الذي لن يجد له مكاناً في الحكومة العتيدة لتعويم نفسه وبات يتعذّر عليه الحصول كسواه على جوائز ولو من باب الترضية؟ وأكدت أن ماكرون منح الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة فترة سماح غير قابلة للتمديد ومشروطة بأن تنجز أوراق اعتمادها كأساس للتصالح مع المجتمع الدولي، ويمكن أن تكون بمثابة مؤشر لتصويب العلاقات اللبنانية العربية في ضوء تريُّث دول أساسية في تحديد موقفها وربما إلى ما بعد ولادة الحكومة.
وأكدت أن ماكرون كان وراء ترحيل النقاط الخلافية عن جدول أعمال الحكومة تقديراً منه بأن إقحامها فيها سيؤدي إلى تعطيلها حتماً وربما إلى تأخير ولادتها، وقالت إنه أصر على حصره بالأمور ذات الصلة لوقف انهيارها نظراً لعدم وجود تباين حولها. ورداً على سؤال أوضحت المصادر أن ماكرون لم يبادر إلى تحديد مواعيد لعقد مؤتمر دولي لدعم لبنان ولعودته في كانون الأول المقبل إلى بيروت وأيضاً لإمهاله الحكومة شهرين لإنهاء استعداداتها على قاعدة الاستجابة لدفتر الشروط الدولية للإفراج عن المساعدات المالية للبنان لو أنه يفتقر إلى ضوء أخضر أميركي وأراد القيام بمغامرة إنقاذية غير محسوبة النتائج. فالرئيس الفرنسي -حسب المصادر- استطاع تأمين شبكة أمان دولية لتحركه ونصف شبكة أمان عربية، وإلا لماذا لوّح بفرض عقوبات على من يعيق خطة الإنقاذ مهدّداً باللجوء إلى المجتمع الدولي؟ لذلك فإن انتهاء المشاورات النيابية التي أجراها أمس، الرئيس أديب مع الكتل النيابية يفتح الباب أمام البحث عن التأليف بأقصى سرعة ممكنة لأنه لا مجال لترف الوقت وهدر الفرصة الأخيرة للالتفات دولياً لمساعدة لبنان، فهل تبصر ولادتها النور في أقل من أسبوعين كما تعهدت القيادات السياسية أمام ماكرون، على أن تُشكَّل من 14 وزيراً يشكلون فريقاً منسجماً بغياب أي تمثيل حزبي وعلى قاعدة أنْ لا امتيازات لهذا الفريق أو ذاك للاحتفاظ بحقائب معيّنة كأنها وكالة حصرية لهم، في إشارة إلى مطالبة الأكثرية بعدم إعادة وزارة الطاقة إلى «التيار الوطني»؟
ويبقى السؤال: هل تتجاوب الأطراف مع وعودها الإعلامية؟ أم أنها ستصر على أن تتمثل في الحكومة ولو بوزراء دولة؟ وهذا ما يدفع برئيسها إلى التقدُّم إلى البرلمان بتشكيلة وزارية كأمر واقع، ما يؤدي إلى حشره، وسيكون لكل حادث حديث في ضوء رد فعل النواب لأنه لا يريد تشكيل حكومة كيفما كان.