Site icon IMLebanon

هل “تُفركش” واشنطن باريس في لبنان؟

كتب جوني منير في “الجمهورية”:

مع مغادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان مُنهياً زيارته اللبنانية المثيرة ومُعلناً أنه سيزور لبنان للمرة الثالثة في مطلع كانون الاول المقبل بعدما أرسى معادلة الاصلاحات او العقوبات، حَطّ مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر في زيارة لا تقل إثارة عن زيارة ماكرون، ولكن لناحية خلوّها من اي موعد مع اي مسؤول لبناني ومحورها حقيقة الموقف الاميركي من المبادرة الفرنسية، وما اذا كانت واشنطن ستعمل على إحباطها، خصوصاً انّ الموقف الفرنسي تجاه «حزب الله» بَدا مَرناً، فيما بقي الموقف الاميركي الرسمي متشدداً وهو أعطى الاولوية لملف الكهرباء.

في الواقع ومهما قيل، فإنّ بصمات باريس كانت واضحة في عملية تسمية السفير مصطفى أديب كرئيس للحكومة، لا بل انّ الكواليس تكشف اكثر من ذلك. فالدور الفرنسي، والذي نجح في البقاء مستتراً، طرح في البداية اسم الرئيس سعد الحريري ولو من دون حماسة ظاهرة. ولكن سرعان ما سُحِب اسم الحريري بعدما لمس المسؤولون الفرنسيون عدم تجاوب السعودية. وقيل انّ الذي تولّى الحركة في هذا الاطار كان مستشار ماكرون السفير ايمانويل بون بالتعاون مع مسؤول المخابرات الفرنسية الخارجية برنارد ايمييه الذي شغل سابقاً موقع سفير فرنسا في بيروت، والذي واكبَ أحداث العام 2005 والمرحلة التي تلتها وشهدت الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار. وبعدما سحب اسم الحريري، إندفعت باريس وبحماسة قوية في طرح اسم الرئيس نجيب ميقاتي الذي اصطدم بتحفظات داخلية وتم وضع الاسم جانباً رغم الاصرار الفرنسي، لينتهي الامر باسم مستشاره السابق والذي تعرفه الدوائر الفرنسية جيداً مصطفى اديب.

ونجح الضغط الفرنسي المعطوف على رسائل التحذير من سلة عقوبات تمّ تمريرها من خلال الصحافة الفرنسية، في الفصل بين التكليف والتأليف وفي تسمية اديب قبل ساعات من وصول طائرة ماكرون الذي تابع ضغوطه لتأمين ولادة حكومية سريعة بعيدة عن الحصص المتعارف عليها منذ اكثر من 10 سنوات وذات مهمة واضحة: الاصلاحات.

لكن، وخلافاً للاجواء المعلنة، فإنّ التشاور الفرنسي مع الادارة الاميركية بقي قائماً طوال هذه الفترة. وكان واضحاً أنّ واشنطن الغارقة في حمى الحملات الانتخابية وضجيج النزاعات الداخلية ليست بعيدة عن الدور الفرنسي في لبنان بكل تفاصيله، وهي بالتأكيد لن تعمد للتشويش عليه أقلّه في المرحلة الراهنة. لا بل انّ واشنطن ستتعاون مع باريس في ملف العقوبات في حال سعى بعض الأفرقاء اللبنانيين الى التحايُل على موضوع الاصلاحات، خصوصاً أنّ ملف العقوبات موجود وجاهز وينتظر فقط التوقيت السياسي المناسب.

لكن الاسلوب الاميركي سيبقى مختلفاً أقلّه في الشكل عن الاسلوب الفرنسي في هذه المرحلة، ففرنسا المهتمة في صياغة التفاصيل قد لا ترى انّ لواشنطن الاهتمام المماثل، ذلك أنّ الاميركيين يركّزون على العناوين العريضة والخطوط الحمر التي رسموها في لبنان، وهو ما سيهتم به الفرنسيون خصوصاً مع تشكيل الحكومة.

وكذلك في موضوع «حزب الله» فإنّ الاشارات التي صدرت عن ديفيد هيل تبدو كافية لفرنسا، لكن لواشنطن أسلوباً هجومياً لن تتخلى عنه في المرحلة الحالية، وهو ربما يفيد باريس ويساعدها في حسن تطبيق خطتها.

وفي مؤشرات هذا الاختلاف في الاسلوب جلوس ماكرون للمرة الثانية مع محمد رعد كممثّل رسمي عن «حزب الله»، فيما شينكر رفض حتى لقاء المسؤولين اللبنانيين، متمسّكاً في المقابل بلقاء شخصيات من المجتمع المدني او بتعبير أوضح من خارج الطبقة السياسية الحاكمة، إضافة الى شخصيات شيعية معروفة بعدائها لـ»حزب الله».

هي لغة المرحلة الحالية ربما، ذلك انّ وصول الديموقراطيين الى البيت الابيض سيعني حتماً سياسة اكثر مرونة، وحتى اذا ما «أعيد انتخاب دونالد ترامب خصوصاً أنّ حظوظه ارتفعت خلال الايام الاخيرة، فهو أعلن بوضوح انه ذاهب الى تنفيذ اتفاق مع ايران في مدة اسبوعين او شهر كما قال. لا بل انّ مطّلعين تحدثوا عن وجود تَوجّه جدي لدى فريق ترامب الذي يتولى ملف العلاقات الخارجية، وخصوصاً ملف الشرق الاوسط وايران، واستبدال بعض الصقور بديبلوماسيين يحترفون فن التفاوض ولا يستبعد هؤلاء مثلاً أن يجري تعيين بديل من شينكر.

والسؤال الثاني الذي يشغل بال المسؤولين اللبنانيين هو حول رد الفعل التركي على التوغّل الفرنسي في الساحة اللبنانية، خصوصاً أنّ لهذا التوغل جانباً اساسياً له علاقة بالتنافس الحاد الحاصل في منطقة شرق البحر الابيض المتوسط.

في الواقع لم تخفِ تركيا نيتها توسيع دائرة نفوذها في لبنان انسجاماً مع النزاع الكبير الذي تخوضه لفرض نفسها كلاعب إقليمي قوي وكبير. وهذا ما دفع البعض الى إبداء خشيته من رسائل تركية أمنية ضد فرنسا على الساحة اللبنانية، لذلك انشغَل المسؤولون الامنيون في فك شيفرة حادثة خلدة، والتي حصلت عشيّة وصول ماكرون الى لبنان.

ورغم طابع الصدام الفوري لِما حصل، إلّا أنّ بعض المراقبين الامنيين وجدوا بصمات خارجية دفعت الى حقن الاجواء وتوسيع دائرة التوتر.

ووفق قراءة هؤلاء فإنه لا بد من التمعّن في الاستثمار الذي سعى إليه أطراف لبنانيون لهم علاقات قوية مع تركيا. وايضاً رفع مستوى التجييش المذهبي، خصوصاً انّ اشتباك خلدة كان قد سبقه إحباط تحرك للارهابيين في قرية كفتون في الكورة. وهذه الكارثة التي أدت الى اكتشاف عدد من الكوادر الارهابية، والتي كانت تعمل على تنظيم نفسها وتقوم الاجهزة الامنية باعتقالها، طرحت كثيراً من علامات الاستفهام خصوصاً انّ هذه المنطقة هي مسيحية، فهل كان ثمة نية للتحضير لعملية هدفها توجيه رسالة حمراء الى فرنسا؟ هي فرضية موجودة لدى الاجهزة الامنية اللبنانية، وهو ما يستوجب الحذر مستقبلاً لتحركات مماثلة في الشمال والبقاع الاوسط وجنوب بيروت. يبقى السؤال الاخير حول موقف روسيا، خصوصاً انها حاضرة بقوة عند الساحل السوري.

ووفق مصادر مطلعة، فإنّ الرئيس الفرنسي الذي تحدث مع نظيره الروسي قبل اندفاعه في اتجاه لبنان، بَدا مرتاحاً من رد فعل موسكو.

لا بل انّ المعارضين يعتبرون انّ بوتين ليس منزعجاً من تولّي ماكرون زمام المبادرة في لبنان، ذلك انّ من مصلحة موسكو استقرار الوضع في لبنان وعدم تركه ينزلق في اتجاه الفوضى، وهو خطر بات قائماً بقوة. أضف الى ذلك انّ ماكرون يسعى لإصلاحات جذرية في النظام اللبناني تؤدي الى إزالة الطبقة الفاسدة، ولكن بدعم اميركي غير ظاهر.

فالساحة اللبنانية تؤثر مباشرة بالاحداث الدائرة على الساحة السورية، وهو ما يجعل التسوية السلمية في سوريا غامضة، ما يزيد من الكلفة التي تدفعها موسكو في الحرب السورية، فيما اقتصادها يعيش مرحلة صعبة وخانقة.

لا بل على العكس، فإنّ سوريا ستستفيد من نجاح الحركة الفرنسية كونها تعتقد أنّ القطاع المصرفي اللبناني يمكن ان يؤدي دوراً مساعداً في مرحلة إعادة تأهيل الاقتصاد السوري.