كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تكثر التحليلات والتأويلات في الفترة الأخيرة عن أن الحراك الذي يقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مدعوماً من الأوروبيين، يأكل من الصحن الأميركي في لبنان وسط إنزعاج واشنطن مما يقوم به الرئيس الفرنسي.
ووسط كل هذا الكلام ومحاولة قراءة مستجدات المرحلة والأفق الذي يعبر إليه لبنان بعد الحديث عن تقاتل دولي على أرضه، تشير المعلومات إلى أن الفرنسي يتحرّك بـ”قبّة باط” أميركية وليس تغريداً خارج السرب، وزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر خير دليل على الإهتمام الأميركي بلبنان.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن” أن كل ما يحكى عن تراجع أميركي في لبنان أو تقدّم للمحور الأوروبي أو الروسي أو التركي أو الإيراني لا يعدو كونه أكثر من كلام في الفراغ، فكل ما يحصل هو نتيجة عوامل عدّة أدّت إلى تقدّم باريس.
ويعود هذا الأمر إلى فترات سابقة، حيث من لا يفهم السياسة الدولية يقول إن الفرنسي تقدّم والأميركي تراجع، بينما الحقيقة أن باريس وواشنطن في حلف واحد وما يحصل ليس سوى توزيع أدوار أو لعب ضمن نطاق الإستراتيجية المرسومة.
وفي هذا المجال، تُذكّر المصادر الديبلوماسية أن باريس هي عضو في حلف شمال الأطلسي والعلاقة بينها وبين الأميركيين محكومة بالتوافق، ولا شك أن هناك بعض الفراغات التي تتركها الإنشغالات الأميركية بالإنتخابات، وهذا لا يعني أن أميركا تترك الساحة لأحد.
من هنا، فإن الخطوة الفرنسية من خلال زيارة ماكرون لا تستفزّ الأميركي، وعلى سبيل المثال، إن الدعم الفرنسي للمدارس الفرنكوفونية أو تكريم السيدة فيروز أو إغاثة المتضررين من إنفجار المرفأ كلها خطوات ثقافية وإنسانية تتكامل مع النظرة الأميركية لدور لبنان.
وتلفت المصادر إلى أن الفرنسي لم يتخطَّ الإستراتيجية الاميركية، فهو لم يفك الحصار عن إيران على رغم بعض الإختلافات في النظرة إلى الملف النووي، ولم يخرق قانون “قيصر”، ولم يعوّم “حزب الله”، وكل ما يفعله هو الدعوة إلى إصلاحات جذرية تطالب بها واشنطن، وتأليف حكومة من شخصيات غير إستفزازية، وبالتالي فإن محاولات الخرق الفرنسية تبقى ضمن الإطار المرسوم بانتظار نتائج الإنتخابات الاميركية.
وفي السياق، تشدّد المصادر الديبلوماسية على أن المصالح الأميركية في لبنان خط أحمر ولا يمكن لأحد تجاوزها، وهذه المصالح تتمثّل بالحضور السياسي والعسكري والديبلوماسي، فالسفارة الاميركية التي تُبنى في عوكر هي الأكبر في الشرق وتبلغ كلفة بنائها أكثر من مليار دولار، كما أنّ التواجد العسكري والإستخباراتي مهم، في حين أن برنامج المساعدات الأميركي للجيش اللبناني مستمر واستثمار واشنطن بالمؤسسة العسكرية باقٍ كما هو بل سيتكثّف.
وأمام كل ما يحصل، فإن واشنطن لن تترك لبنان لروسيا أو للمحور السوري – الإيراني أو للأتراك، في وقت يُعتبر التواجد الفرنسي والألماني والبريطاني من ضمن أهل البيت الواحد، ولا يُعتبر تعدّياً على واشنطن أو محاولة لأخذ دورها لأنه بعد إنتهاء الحرب الباردة لم تستطع أي دولة كبرى مواجهة النفوذ الأميركي.
من هنا، كل الكلام عن أن تسوية ماكرون هي بداية لفكّ الحصار عن “حزب الله” ومعه العهد لا يدخل ضمن الأطر الدولية والسياسات الكبرى التي تحصل، لأن هناك ما يشبه الفصل بين الموقف من الشعب اللبناني وبين الموقف من “حزب الله”.
ويذهب الفرنسي والأميركي أكثر من ذلك، حيث تتكاثر الدعوات للقيام بالإصلاحات الضرورية، في حين أن ماكرون والأميركيين يؤكدون انهم في وارد وضع عقوبات على من يحاول عرقلة الإصلاحات، ولم يقولوا إن هذه العقوبات ستشمل “حزب الله” فقط.
قد يصل ماكرون إلى تسوية مرحلية، لكن الأكيد أن الحل النهائي ينتظر الضوء الأخضر الأميركي وما سيحل بالصراع الدائر بين واشنطن وطهران، ما يدفع الى الإستنتاج أن الأزمة طويلة ولا تحلها حكومة من هنا او رهان على موقف دولي من هناك بعدما ربطت الطبقة السياسية مصير لبنان بكل الأزمات الإقليمية.