Site icon IMLebanon

طرْد موظفي الـUNDP من الوزارات والإبقاء على مناصري الأحزاب

كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:

في كلّ مرّة تدّعي الدولة اتخاذ خطوة إصلاحية لتخفيف الإنفاق، تمعن في اللّاإصلاح وتزيد الخسائر. وفي إجراء يقال إن الهدف منه ترشيد الإنفاق، قامت بعض الوزارات بفسخ عقودها مع حوالى 150 موظفاً من موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP. منهم مَن يشكّل فريق العمل في وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، التي يفترض بأن تلعب دوراً هاماً في مكافحة الفساد والتطوير الإداري والتحول الرقمي، إضافة إلى التنسيق مع الجهات المانحة. ما يطرح السؤال عن سبب تخلي الدولة عمن يفترض بهم القيام بهذه المهام التي باتت المطلب الأبرز؟ ومن سيقوم بمهام الخبراء الذين توقفت عقودهم وتخلت عنهم الدولة؟

يُظهر القرار الحكومة إما بمظهر الغبية أو المتواطئة. وكأنها تعتمد على حسابات ساذجة، فتظن أن بإلغاء دفع مبلغ من هنا وآخر من هناك تخفف الصرف، من دون أن تدرك تداعيات خطواتها. حيث أراد وزير المال غازي وزني ورئيس الحكومة حسان دياب، خفض الإنفاق فقرّرا وقف دفع رواتب موظفي الـUNDP في المؤسسات العامة من دون البحث بجدوى وجودهم وعمن سيحلّ محلّهم، وكأنهما ينظران إلى الموظف كعبء مادي ولا ينظران إلى انتاجيته. والمستغرب بدء دياب ووزني بموظفي البرنامج في وقت تعاني الإدارات العامة من فوضى التوظيفات والبطالة المقنعة، حيث الآلاف من الموظفين الذين لا يقومون بأيّ مهام. فلما اتخذ قرار التخلي عن خبرات موظفي الـUNDP قبل القيام بإعادة هيكلة في القطاع العام؟

خسائر كبيرة سيتسبب بها القرار

تأسف وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية السابقة، مي شدياق، من اتخاذ هكذا قرار. وتستغرب في حديث إلى “نداء الوطن” ايقاف العقود منتصف الشهر الحالي، علماً بأن مجلس الوزراء كان قد وافق على تمديد التعاقد مع الـUNDP حتى نهاية العام. “فصحيح أن الإدارة بحاجة دائماً لدم جديد لتفادي ان يصبح متعاقدو الـUNDP تقليديين كسائر موظفي الدولة، لكنّ الاستغناء عن كل هذه الطاقات هو خسارة كبرى”. وترى شدياق أنه من المستحيل أن تقوم وزارة التنمية الإدارية بأي من مهامها من دون الـ UNDP. فليس لدى الوزارة هيكلية إدارية كبقية الوزارات.

ووفق شدياق، ضمت الوزارة حوالى الأربعين موظفاً من الاختصاصيين والمتعاقدين من خلال الـUNDP بكلفة أقل من 2 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى قرابة الثلاثين موظفاً تابعين للدولة، حوالى العشرة منهم ممن حصلوا على شهادات جامعية، تتركز غالبية أعمالهم على إدخال المعلومات على مواقع الإنترنت التابعة لعدة وزارات والتنسيق مع الإدارات العامة، وحوالى العشرين يقومون بأعمال تشغيل وصيانة المكاتب والبريد والسنترال والسكرتاريا. وتؤكد الوزيرة السابقة عدم إمتلاك أي من موظفي القطاع العام في الوزارة المهارات والخبرات اللازمة في مجال تكنولوجيا المعلومات وإعادة هيكلة الأنظمة وتبسيط مسار المعاملات ومراقبة الأداء.

ويبدو أن دياب ووزني ارتجلا قراراتهما من دون استشارة المعنيين، إذ تؤكد شدياق أن القرار سيؤدي لخسائر وعواقب جسيمة نتيجة توقف مشاريع مموّلة قيد التنفيذ. كما تلفت إلى عدم ثقة الجهات المانحة للهبات والقروض بالحكومة اللبنانية لتنفيذ المشاريع، كونها لا تخضع لشروط وطريقة عمل المؤسسات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وفي الوقت الذي ادعت فيه حكومة دياب حرصها على الإنجاز والإصلاح ومكافحة الفساد، قبل أن تتحول لحكومة تصريف أعمال، اتخذت هذه الحكومة قراراً يقضي على الوزارة المعنية بالإصلاح، وبات مصير الوزارة مجهولاً بانتظار تراجع المعنيين عن قراراتهم المتهورة.

وعن مهمة الوزارة وعملها، تشرح شدياق أنها في خلال صيف 2019 عقدت مع فريق عملها، وبحضور خبراء من الـ UNDP والـ OECD (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، عدة ورش عمل لتجديد التعاقد لفترة ثلاث سنوات إضافية، على أن يكون التركيز على ثلاثة محاور رئيسية: استراتيجية التحوّل الرقمي في لبنان وخطتها التنفيذية التي شملت أكثر من 80 مشروعاً في كافة الوزارات والقطاع العام بقيمة تفوق الـ 250 مليون دولار، جرت مفاوضات مع البنك الدولي لتمويلها. ومكافحة الفساد عبر مواكبة تطبيق استراتيجية مكافحة الفساد التي قدمتها في ايلول 2019 الى أمين عام رئاسة الحكومة وتسلمها منها الوزير قطار، وقدمها الى حكومة دياب ووافقت عليها. وإصلاح القطاع العام عبر المشتريات الإلكترونية e-Procurement بالتنسيق مع دائرة المناقصات ومراقبة الأداء القطاعي والمؤسساتي بالتنسيق مع جهاز التفتيش المركزي، وكذلك جرى العمل على أنظمة إدارة الموارد البشرية وتطوير هيكليات إدارية حديثة والتوصيف الوظيفي للوظائف كافة بالتنسيق مع مجلس الخدمة المدنية. “لسوء الحظ، لن تتمكن الوزارة من تحقيق هذه الأهداف في ظل غياب أصحاب الاختصاص. وأخشى أن يؤدي هذا القرار إلى تدهور النظام الإداري وترهّل الوزارة وإقفالها. إن هذا الأمر لمحزن جداً”، تقول شدياق.

أما عن الأهداف التي دفعت لاتخاذ قرار كهذا، تلفت شدياق الى أنّ لوزارة التنمية دوراً أساسياً في قانون آلية التعيينات الادارية الذي طعن به للابقاء على منطق المحاصصة والمحسوبيات.

موظفو الـUNDP يدفعون الثمن

في هذا الوقت، يعاني الموظفون الملغاة عقودهم من القلق على مصيرهم، ويأملون بتراجع وزير المال عن قراره إيقاف الدفع قبل منتصف الشهر الجاري خشية خسارة وظيفتهم إلى الأبد. فقبل أشهر علم هؤلاء بنيّة التخلي عنهم، وحاولوا التواصل مع المعنيين للضغط بهدف دفعهم للتراجع عن هذا القرار من دون جدوى. بل وجرى إيهامهم بامكانية التراجع عن القرار وادخالهم بمفاوضات اعتبرها هؤلاء مضيعة للوقت. ومع اقتراب موعد إنهاء عقودهم، يخشى هؤلاء ألّا تتراجع الدولة ووزارة المال عن قرارها، ما ينهي عملهم مع البرنامج ويحرمهم من العودة إلى مواقعهم الوظيفية حتى لو عادت الدولة واستأنفت التعاون مع البرنامج في ما بعد. ويطرح اليوم السؤال عن الجهة التي ستتولى القيام بمهامهم التي تحتاج إلى خبرة لا يملكها موظفو الدولة. فهل ستلجأ الدولة إلى المكاتب الاستشارية؟ وهل من صفقات في هذا الإطار؟ وباتت تتحدث معلومات عن تحويل العديد من التقارير من مكاتب وزارة التنمية إلى مكاتب مستشاري بعض الوزراء.

في حديث إلى “نداء الوطن” يستنكر أحد العاملين في البرنامج خطوة الحكومة اللبنانية ويعتبرها غير قانونية، “فهي تخالف قرار مجلس الوزراء بتمديد العقود حتى نهاية العام”. ويشير إلى أهمية عمل موظفي البرنامج تحديداً في وزارة التنمية الإدارية “فهل يعملون على إلغاء الجهاز الإصلاحي في زمن الإصلاح؟”. تساؤل محق يطرحه الموظف الذي يشير إلى دور الوزارة وإلى وجود عقود فيها بملايين الدولارات قيد الصرف، تحدثت عنها شدياق وعددتها بشكل مفصل. ويعتبر الموظف تبرير القرار بعدم قدرة الدولة على دفع أجور موظفي الـUNDP ما هو إلا ذريعة، خصوصاً وأنّ برامجها تجلب المال وتعزز ثقة الجهات المانحة. ولا يملك الموظف فكرة عمن سيدير هذه المشاريع وعن طريقة صرف أموالها من بعد رحيلهم، ويرجح أن تبقى معلقة.

دياب ووزني

ويفيد العامل في البرنامج أنهم حاولوا التواصل مع وزير التنمية الإدارية دميانوس قطار قبل أن ينتقل إلى تصريف الأعمال، “يكتفي قطار بتسجيل الملاحظات ولا يقوم بأي إجراء”. بدورها حاولت “نداء الوطن” بالأمس وقبله بمدة التواصل مع قطار لسؤاله عن الموضوع لكن الوزير لم يجب على الاتصال. ويشكو الموظف من الغموض الذي يحيط بالمحادثات بين الدولة وإدارة البرنامج، “فهي غير واضحة ولم نحصل على محاضر إجتماع، اكتفت إدارة البرنامج بإبلاغنا بتوقف عقودنا شفهياً خلال اجتماع. وبتنا عالقين بين الجهتين، نتوجه لإدارة الـUNDP يقولون لنا راجعوا الحكومة والعكس”.

وفي حين استسهلت الحكومة إيقاف موظفي البرنامج عن العمل قبل القيام بإعادة هيكلة للقطاع العام ودراسة إمكانيات موظفيه، والتغيرات الممكنة التي ستمنع الفراغ الذي سيخلفه طرد الخبرات، يشير الموظف إلى عدم امكانية الدولة القيام بإعادة الهيكلة من دون موظفي وزارة التنمية التي تدير استراتيجية التحول الرقمي. ويلفت إلى تميّز موظفي البرنامج بالقدرة على الحركة التي يتمتعون بها وليست متاحة لموظفي الدولة، ما يساهم أكثر في انتاجيتهم. ويستغرب موظفون في الـUNDP من قدرة الدولة على تأمين المال لحوالى 5700 شخص وظفوا بطرق غير قانونية، بينما تعجز عن تأمين رواتب 150 موظفاً يعملون في البرنامج الذي يخدم كل إدارات الدولة.

وكانت شدياق الوزيرة الوحيدة التي استجابت لأمر إبطال عقود تسعة أشخاص في وزارة التنمية، تم توظيفهم بطريقة غير قانونية بناءً على طلب المدعي العام لدى ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس في حزيران 2019. فيما بقي ما يفوق الـ 5600 موظف على جداول الرواتب في باقي الوزارات.

وتعرّضت شدياق لحملة إعلامية ولعدة ضغوط لإرجاع هؤلاء إلى الوزارة لكنها رفضت. وجاءت حكومة دياب لتكمل نهج المحاصصة وتبدأ الإصلاح بالتخلي عن الخبرات، قبل التخلي عن العاطلين عن العمل الذين يعيقون عمل المؤسسات لقاء رواتب تدفع من جيب المواطنين.