كتب أكرم حمدان في صحيفة “نداء الوطن”:
بعدما انتهت إستشارات التكليف الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، ومن ثمّ إستشارات التأليف غير الملزمة، بات شبه واضح مسار القوى والكتل النيابية لجهة التموضع الجديد، في ضوء المبادرة الفرنسية، وما يُمكن تسميته البيان الوزاري لحكومة الرئيس مصطفى أديب المتمثّل بخريطة الطريق التي وضعها الرئيس إيمانويل ماكرون، ويُفترض أن تنفّذها الحكومة العتيدة إذا صدقت النيات.
وقد فرزت وقائع الإستشارات وما سبقها من إتصالات المشهد الداخلي، خصوصاً لجهة ما تقول بعض القوى والأطراف إنها “بدع جديدة” في الحياة السياسية وفي طريقة تشكيل الحكومات، وهو بمثابة خرق وتجاوز لدستور الطائف الذي يتغنّى به الجميع، وأقصد هنا كتلة “اللقاء التشاوري” النيابي التي تضمّ النواب: عبد الرحيم مراد، عدنان طرابلسي، فيصل كرامي والوليد سكرية بعدما كان انسحب من اللقاء في وقت سابق النائب جهاد الصمد.
وقد تمايز اللقاء في موقفه في استشارات التكليف بعدم تسمية الرئيس أديب، ما شكل خروجاً ربّما عن شبه الإجماع الذي حصل عليه أديب، باستثناء طبعاً تسمية كتلة “القوات” للسفير نواف سلام، وكذلك النائب فؤاد مخزومي، وتسمية النائب ميشال ضاهر للوزيرة السابقة ريا الحسن والنائب جهاد الصمد للوزير السابق الفضل شلق.
وما بين إستشارات التكليف والتأليف كان القاسم المشترك من حيث الشكل أولاً غياب النائب فيصل كرامي عن المشاركة في استشارات التكليف في بعبدا، وثانياً تكليف النائب عدنان طرابلسي تمثيل اللقاء في استشارات التأليف في عين التينة.
وإذا كان الموقف ينتظر البيان الوزاري للحكومة ليُبنى على الشيء مقتضاه، فإنّ عدم التسمية لرئاسة الحكومة تعود وِفق مصادر “اللقاء”، لأسباب عدّة أبرزها، “الإعتراض على الشكل الذي يُكرّس بدعة جديدة في لبنان فيها مخالفة صريحة للدستور، وهي بدعة تسمية الرئيس المكلّف من تجمّع رؤساء الحكومات السابقين، ما يحوّل موقع رئيس مجلس الوزراء موقعاً مذهبياً، في حين كرّسه الدستور موقعاً وطنياً بامتياز، إلى جانب المنحى الإلغائي للآخرين، ما يعني أنّنا أمام حكومة محاصصة صريحة بين أكثريات طائفية تلغي كل الآخرين في كل الطوائف”.
وفي السياق، يقول النائب عبد الرحيم مراد لـ”نداء الوطن”: “منذ العام 92 وحتى الآن، تشكّلت 17 وزارة ولم نتمكّن من القيام بشيء وتنفيذه، خصوصاً لجهة تطبيق بنود إتفاق الطائف، وتحديداً منها ما يتعلّق بقانون الإنتخاب الذي تحدّث عن الدوائر الكبرى، كما أن نظرية وبدعة الأقوى في كل طائفة وبمباركة من رجال الدين هي خارجة عن الأصول والدستور ولا تحلّ أزمات البلد”.
ويضيف مراد: “الرهان الآن على التهديد الذي أطلقه الرئيس الفرنسي في حال لم يتمّ تنفيذ خريطة الطريق التي وضعها، والوصاية الأميركية – الفرنسية وتركيبة الوزارة الجديدة، وما إذا كانت ستفتح الملفّات أم لا”.
ويؤكد أنّ “اللقاء التشاوري إعترض منذ البداية على طريقة التسمية المخالفة للدستور وينتظر البيان الوزاري للحكومة ويتمنّى النجاح للرئيس المكلف الذي لا يوجد أي تواصل مباشر معه”. ويشير مراد إلى أنّه “قد تحصل تطورات جديدة، فالحدث هو في لقاء ماكرون والنائب محمد رعد، وتصريحات ترامب وبايدن في الولايات المتحدة تتحدّث عن التوجّه لبناء علاقة جيدة مع إيران، كذلك يجري الحديث عن ترسيم الحدود البحرية وبالتالي: ماذا عن الحدود البرّية ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا؟ هل ستسلّم إلى لبنان، أم ستبقى تحت راية الأمم المتّحدة؟ وماذا عن عرض البوارج في البحر؟ كلّ هذه الأمور تحتاج إلى ترقّب لأحداث وتطورات جديدة ربّما”. وكان عضو”اللقاء” النائب فيصل كرامي قد أبدى في تصريحات صحافية إرتيابه من المسارات غير المألوفة التي رافقت المشهد الحكومي الأخير في الحياة السياسية اللبنانية.
ويرى كرامي أنّ الدعوات الى قيام دولة مدنية في لبنان هي نوع من المزاح السياسي في ظلّ شرط الإجماع عليها ما يجعلها حلماً مستحيلاً، فالأولى تطبيق الطائف الذي نصّ على آليات للتخلّص التدريجي من مرض الطائفية والمذهبية.