كتب أحمد الأيوبي في “الجمهورية”:
بين ألغام التفاوض الدولي والإقليمي ولدت تسمية الرئيس المكلف مصطفى أديب، لتشكيل حكومة تواجه أخطر تحديات لبنان الوجودية، وسط اختلاط الأوراق واصطفافات فيها شبهات سلطوية وانتظارات اللبنانيين واعتراض الذين يعتبرون أن ما جرى ارتداد إلى ما قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستسلامٌ لإرادة خارجية فرنسية إيرانية تريد الاستثمار في الملف اللبناني لأهدافها الخاصة، فالرئيس الفرنسي مانويل ماكرون مأزوم داخلياً، والإيرانيون يريدون شراء الوقت حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وفي كل الأحوال، ومهما كانت المواقف، إلاّ أنّ الواقع يؤكد وقوع لبنان في الامتحان الوجودي الأخير، فإما انفراط العقد وإما نجاة السفينة. وهذان الحدّان المتناقضان يعملان وسط انفلاتٍ واسع النطاق لكلّ ضوابط الحقوق والقواعد التي ترسم بناء الدولة.
فغول السلطة لن يترك مصطفى أديب حرّاً في تشكيل حكومته، وهو لديه من أدوات التعطيل والتفخيخ والهيمنة ما يضمن من خلالها تفريغ أيّ جهد ومسعى لإقامة حكومة تستجيب لمطالب الناس ولضرورات قيام الدولة، وأهمها محاربة الفساد والوصول إلى صيغة نهائية حول وضع السلاح في كنف الدولة ووقف ثنائية تضرب قواعد الكيان.
قد يقول قائل إنّه لا يمكن تحميل شخص مصطفى أديب مسؤولية كلّ هذه الملفات، لكن لا بدّ هنا من التذكير بأن تسميته جاءت بناءً على دعم: الرؤساء السابقين للحكومات ودار الفتوى، والثنائي الشيعي والقوى الدرزية والتيار الوطني الحر، مما يعني أنّه لم يعد وحده في المعمعة.
وبما أنّ الأمر كذلك، لا بدّ من تذكير الرئيس المكلّف بأنّ باستطاعته التخلّص من كثير من أعباء التركة الثقيلة من خلال تمسّكه بالصلاحيات الدستورية التي لا تزال قائمة وتجعل منه قطب الرحى في المعادلة الحكومية إذا كان قد جاء ليمارس هذا الدور فعلاً.
فلا يمكن للرئيس أديب أن يكون في جلباب رئيس الجمهورية كما كان سلفاه، ولا يمكنه أن يعترف بالتنازل عن الصلاحيات الدستورية في وضع جدول الأعمال وترؤس الجلسات واتخاذ موقعه الدستوري وعدم السماح بفرض الانحرافات والتفسيرات المعوجّة للدستور أن تكون هي الحاكمة في مسار العمل الحكومي.
لا نعرف إذا كان «الرؤساء السابقون» قد تركوا لمصطفى أديب أو أي رئيس آخر ركيزة يستند إليها لتعزيز موقعه، لكن الواضح أننا مقبلون على أزمة جوهرها الحملة على اتفاق الطائف وفرض تغيير النظام بوسائل تتراوح بين التهديد بالنار أو التقويض بالوقائع السياسية، وهذا هو التحدي الأخطر.
كذلك يداهمنا الانهيار الاقتصادي ويبرز السؤال عن كيفية إدارة هذا الانهيار وكيف سيكون واقع المناطق اللبنانية عند وقوعه، في ضوء الاستعدادات التي اتخذتها الطوائف والمناطق والأحزاب لمواجهة تلك الكارثة الحتمية، بينما مناطق السنة، التي يفترض أن الرؤساء السابقين مسؤلوون عنها، هي المعرّضة للمجاعة والفوضى.
فمن الطبيعي أن تكون أولى التحديات أمام الرئيس المكلف هي كيفية تأمين الحقوق المضاعة للمناطق التي يمثلها أولاً، في إطار الحق العام لجميع اللبنانيين في الحصول على أساسيات المعاش من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وصحة.
كذلك لا يمكن للرئيس المكلف تجاهل المظالم الساقطة على رؤوس أهل السنة في التنمية كما ذكرنا، وفي القضاء والأمن، حيث تلوح في الأفق مرحلة يجري فيها إعداد العدّة لإعادة إنتاج «الإرهاب السني» كما صرّح بذلك الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله والرئيس نبيه بري وتطرّق إليه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون.
هذا المسار لا يمكن إيقافه إلاّ بإعادة صياغة الواقع الأمني والقضائي بحيث لا يسمح بتركيب الملفات ولا باستغلال القضاء لاستمرار الدوّامة التي أفضت إلى توريط ثم اعتقال آلاف من الشباب على مدى العقود الماضية في لعبة تتكرّر بشكل ممجوج ولا تجد من يوقفها، لا بل إنّ بعض قيادات السنة تواطأت وحوّلتها إلى استثمار انتخابي وسياسي بشع.
وجد الرئيس أديب إجماعاً من تحالفٍ سلطوي نشأ لإيصاله، لكنه يحتاج إلى الكثير من الجهد لينال ثقة الشعب المقهور الذي يرى أن السلطة الفاسدة والفاجرة لا يمكن أن تنتج أو تسمح بإنتاج حكومة فاعلة ونظيفة.. فهل يستطيع الرئيس مصطفى أديب أن يكسر هذه القيود أم أنّه سيأخذ طريق سلفه في السقوط المبكّر؟