كتبت كلير شكر في صحيفة نداء الوطن:
قطع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الشكّ باليقين حيال المبادرة التي يقودها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون: “نعمل مع الفرنسيين ولدينا الأهداف نفسها”. اذاً، لا مكان للتضارب بين الأجندتين الفرنسية والأميركية. وشدد الوزير الاميركي على “أننا سنسخّر جهودنا الديبلوماسية كافة لتحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني ولتكون هناك حكومة تقوم بإصلاحات معتبرة وتحدث تغييرات، كما يطالب الشعب وستستخدم الولايات المتحدة وجودها الديبلوماسي وقدراتها الديبلوماسية للتأكد من حصولنا على هذه النتيجة”.
أما التمايز حول “حزب الله” فهو بديهي وطبيعي لاختلاف المصالح بين الإدارتين، لكنّ هذا التمايز لا يستحيل فيتو أميركياً قد يعرقل المسعى الفرنسي، خصوصاً وأنّ الإدارتين متفاهمتان حول جدول الأعمال الاصلاحي الذي يشكل مساحة التقاء متينة. وبالتالي اذا نجحت باريس في فرض هذا المسار، عبر استخدام العصا والجزرة، فإنّ واشنطن لن تقف لها بالمرصاد طالما أنّ مصالحها مؤمنة وخطوطها الحمراء محترمة. وهنا بيت القصيد الذي يجعل من المحاولة الفرنسية محمية دولياً.
ولأنّ مواقف وزير الخارجية الأميركي تعبّر عن ضوء أخضر جليّ منحته إدارته لقصر الاليزيه للانخراط في المستنقع اللبناني، لم تعد هناك حاجة وفق المتابعين، للقاءات رسمية يقوم بها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر في بيروت، خصوصاً أنّ هناك معلومات متداولة في أكثر من مقر رسمي تفيد بأنّ ملف الحدود البحرية شبه منته ولا يحتاج إلا لبعض اللمسات الأخيرة كي يتمّ الإعلان عنه. هكذا، أسقط شينكر من روزنامة لقاءاته كل المواعيد مع المسؤولين الرسميين.
وتشير المعلومات إلى أنّ خطوة الإعلان عن اتفاق ترسيم الحدود متروكة للحكومة الجديدة ولو أنّ السفيرة الأميركية دوروثي شيا، الغائبة عن المنبر للاعتبارات ذاتها التي أملت على شينكر الابتعاد عن اللقاءات الرسمية، سبق لها أن أبلغت رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب أنّ الاتفاق على ترسيم الحدود شبه منته.
في هذا المناخ بالذات، انطلقت محركات رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب بعد جولة الاستشارات النيابية الباهتة التي أجراها طوال يوم الثلثاء مع الكتل النيابية. فكانت الزيارة الأولى إلى قصر بعبدا كرئيس مكلف لوضع الرئيس ميشال عون في أجواء الاستشارات التي قام بها.
في الواقع، فإنّ السؤال الأهم الذي تبادر إلى أذهان المتابعين تلخص بالآتي: هل سيبادر رئيس الحكومة إلى تقديم مسودة أسماء جاهزة ليقوم بمراجعتها وتعديلها مع القوى الأساسية في ضوء ملاحظاتها؟ أم سينتظر الاقتراحات التي سترفعها القوى السياسية الداعمة له لجوجلتها واسقاطها على قالب حكومته؟ وأين تطبخ الأسماء؟ في بيت الوسط أم في طائرة نجيب ميقاتي الخاصة؟
حتى الآن، تبيّن أنّ الرئيس عون يفضل حكومة عشرينية وهي الصيغة التي كان يطرحها على حسان دياب بحجة أنّها حكومة مثقلة بالمهمات السريعة، ويفترض بكل وزير أن يتفرغ لشؤون وزارته، كما أنّ هذه الصيغة تتيح له تسمية وزيرين من حصته لا سيما وأنّ رئيس الحكومة سيطالب بدوره بوزيرين يكونان من حصته، فيما يبدو أنّ الأخير يميل إلى حكومة مصغرة.
أما آلية التأليف، فيبدو أنّها ستحترم الطريقة التقليدية، أي أن تتولى الأحزاب التي أيّدت أديب رفع اقتراحاتها، خصوصاً وأنّ الرئيس الفرنسي لم يتردد خلال لقاء قصر الصنوبر مع رؤساء الكتل النيابية في التشديد أمامهم، على أنّ شراكتهم في الحكومة الزامية بمعنى عدم الهروب من مسؤولياتهم أو الانتقال إلى صفوف المعارضة بعد التبرؤ من الحكومة ووزرائها. ولهذا يسود الاعتقاد أنّ أديب سينتظر من الكتل التي سمته أن ترفع أسماءها واقتراحاتها من الترشيحات ليبنى على الشيء مقتضاه.
ويقلل المتابعون من احتمال حصول مداورة في الحقائب السيادية خصوصاً وأنّ الرئيس المكلف لم يطرحها أمام أي من الكتل التي التقاها، مشيرين إلى أنّ طرح رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل في هذا السياق، يأتي من خلفية استباقية لتبرير تخليه عن حقيبة الطاقة وهو الذي يدرك جيداً أنّها لن تكون من الحصّة التي سيتولى تسميتها.
في هذه الأثناء، يؤكد المتابعون أنّ حركة الاتصالات بين المقار الرسمية والقوى السياسية لم تتوقف خلال الساعات الأخيرة، في محاولة للبحث عن صيغة توافقية يفترض أن ترى النور خلال مدة أقصاها 15 يوماً بالحدّ الأقصى. وثمة من يطرح مشاركة وزراء من الطراز السياسي على أن يتولوا حقائب “متواضعة”.
كل ما تبين حتى اليوم ان رئيس الحكومة يبحث عن وجوه جديدة ضمن تشكيلة مصغرة ولا يمانع في حصول مداورة في الحقائب الاساسية، لكن “الثنائي الشيعي” يرفض التخلي عن التوقيع الرابع.