كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
وصل أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين إلى بيروت أمس، في زيارة تضامنية موفداً من قداسة البابا فرنسيس الذي يشعر مع وجع اللبنانيين، لذلك دعا العالم الحرّ إلى عدم ترك البلد في عزلته لأنه يعاني خطراً شديداً، وحدّد اليوم للصلاة والصوم لأجله.
لا أحد ينكر أن لكل دولة مصالحها وإن كانت تتعاطف مع لبنان بشكل كبير، لكن بالنسبة إلى الفاتيكان فإنه لا يملك أساطيل أو جيوشاً جرارة يحركها، بل إنه يملك الثقل المعنوي في العالم ولديه كلمته المسموعة في دوائر القرار العالمي.
من حيث الشكل، فإن بارولين هو الرجل الثاني في الفاتيكان بعد البابا، وهذا يدل على مدى الإهتمام البابوي بلبنان خصوصاً بعد إنفجار المرفأ، وقد أعطى الحبر الأعظم توجيهاته لفعل كل ما يلزم لنجدة الشعب المقهور والمجروح.
ومعلوم أن الفاتيكان يعرف قيمة لبنان وقد قال عنه البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني إنه “أكبر من بلد إنه رسالة”، ويركز الفاتيكان منذ مدة طويلة على التعايش الإسلامي – المسيحي حيث يعتبر بلاد الأرز النموذج الذي يجب الحفاظ عليه لأنه يشكّل صيغة فريدة في تعايش الأديان السماوية.
وتأتي زيارة بارولين على وقع إنتفاضة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وإصراره على مبدأ الحياد الناشط، وتبنّي الكرسي الرسولي لهذا الطرح ومحاولة العمل على “قوننته” عبر ديبلوماسية الفاتيكان المنتشرة في كل دول العالم، لما يشكّل الحياد من مشروع حلّ للقضية اللبنانية.
والأهم أيضاً ان الزيارة تترافق مع تحذيرات البطريرك الماروني من طرح المثالثة في محاولة لتحديد صيغة جديدة وتقاسم للسلطة بين السنة والشيعة والمسيحيين، بحيث يتراجع الحضور المسيحي في النظام اللبناني بعدما تراجع حضور المسيحيين الديموغرافي.
وأمام كل هذه المخاطر، فإن الفاتيكان سيؤكّد رفضه المطلق لضرب الصيغة اللبنانية القائمة على التعايش المسيحي – الإسلامي والذهاب نحو المثالثة لأن بذلك نكون أمام إختفاء النموذج اللبناني.
وعلى هذا الأساس فإن بارولين سيركّز على أهمية الحفاظ على النموذج اللبناني الإستثنائي وعدم الذهاب نحو مغامرات قد توصل إلى ردّة فعل أو ما يشبه الحرب الأهلية، خصوصاً أن همّ الكرسي الرسولي هو إنقاذ الشعب اللبناني من الهاوية التي يغرق بها، وقد بارك البابا فرنسيس ثورة شباب لبنان في 17 تشرين، من ثمّ دعا إلى مساعدة الشعب بعد إنفجار 4 آب، وما مشهدية تقبيله العلم اللبناني أول من أمس إلا دليل على إهتمامه بلبنان وتقديره لنضالات الشعب وعذاباته.
والجدير ذكره، أن زيارة بارولين تأتي بعد أيام من مغادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت، ولا يختلف الموقف الفاتيكاني عن موقف باريس من الطبقة السياسية اللبنانية، حيث قالها البابا سابقاً بأن حكام لبنان يزيدون من معاناة الشعب.
وفي سياق متصل، قد يكون المسؤولون السياسيون اللبنانيون أمام “بهدلة” ثانية “مضمونة” لا تقلّ شأناً وأهمية عن “بهدلة” ماكرون لهم، لأن الكرسي الرسولي يعلم كيف أوصل الحكام الشعب إلى الفقر والجوع، وبالتالي فإن بارولين سيطالبهم بفعل شيء من أجل الإنقاذ ولا يمكنهم أن يصمّوا آذانهم عن سماع صوت الشعب المنتفض والمتألّم.
يضع الراعي دوائر الفاتيكان دائماً في أجواء ما يحصل في لبنان، كما أن السفير البابوي مطّلع على كل التفاصيل، وبات الفاتيكان على علم مثل كل الدول الفاعلة بأن لا ثقة بحكّام لبنان، وهنا سيتكثّف الضغط على الطبقة السياسية لأنها لا ترحم الشعب.
وإذا كان الفاتيكان يصلّي من أجل نجدة الناس، فان التحرّك الديبلوماسي للكرسي الرسولي سيكون أولوية في المرحلة المقبلة خصوصاً أنه ينسق مع باريس منذ فترة الفراغ الرئاسي في ربيع 2014، خدمة للقضية اللبنانية ولمنع تغيير وجه البلد الحضاري وضرب ثقافته ومدرسته وجامعته ونظام إقتصاده، وكي يبقى مثلما قال عنه البابا أمس الأول “إنه رسالة حرية ومثال على التعددية بين الشرق والغرب”.