دقَّ البابا فرنسيس ناقوس التحذير وقَبَّل علَم “لبنان في خطر شديد”. كان هذا في الثاني من أيلول. وصل أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين في الثالث من أيلول موفداً من البابا إلى بيروت. الزيارة عميقة الدلالات الرمزيّة في الرّوحيّ والسياسيّ والديبلوماسيّ.
الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ اكد لـ”المركزيّة” أنّ البابا فرنسيس رفعَ في مقاربته للوضع لبنان إلى مستوى الخطر الوجوديّ، لكنّه أرسل إشارة حاسِمة بأنَّ وطن الرسالة لن يزول، وما إيفاده الكاردينال بارولين سِوى علامة فارقة في ملاقاة التضامن الرّوحي بمقاربة فاتيكانيّة ديبلوماسيّة ناشِطة وفاعِلة لمساندة اللبنانيّين”.
وعن دلالات برنامج زيارة بارولين شدَّد الصائغ على أنّها “بدت شديدة الرمزيّة في التعبير عن غضبٍ من الإهمال الذي احترفه المسؤولون المدنيّون تُجاه كرامة الإنسان اللبنانيّ، ومن هنا أتى تعبير (زيارة مجاملة) إلى رئيس البلاد لا يقبل التأويل، على أنَّ الالتفاتة الكثيفة لآلام الضحايا والجرحى والمشرّدين والمفقودين برسائِل عالية السقف كمِثل “لستُم وحدكُم”، و”المطلوب تغيير أساسي في أداء الشأن العام كي يؤمِّن الخير العام”، هذه الالتفاتة تحكي البوصلة الأخلاقيّة التي يشكّلها الفاتيكان على المستويَين الدوليّ والإقليميّ بما يؤشِّر إلى أنّ الكرسي الرسوليّ سيواجه أيّ تسوية على حساب أرواح اللبنانيّين، وهويّة لبنان الحضاريّة”.
وختم الصائغ: “الفاتيكان ضمانة لحماية لبنان وسنَد لصمود اللبنانيّين، وديبلوماسيّته الفاعِلة بصَمت، وهنا تجب العودة إلى المراحِل المفصليّة التاريخيّة التي يواجه فيها لبنان مآسي ومخاطر، وأدّى الفاتيكان حينها دوراً محوريّاً في إنقاذه، لكن هذا حتماً يحتاج ديناميّة داخليّة منهجيّة من المجتمع المدنيّ والثورة لملاقاة هذه الضمانة”.
من جهته، اعتبر الكاتب والأستاذ الجامعي أحمد الزعبي أن الزيارة ليست بعيدة عن الاهتمام التقليدي والتاريخي للكرسي الرسولي بلبنان، وتعكس الإدراك العميق لحقيقة الأزمة الراهنة بوجوهها المتعددة، خصوصاً في بُعدها الأخلاقي، ومخاطر صراع الهويّات القائم على أرض لبنان”.
ولفت إلى “الأثر الفعّال لأي تحرّك فاتيكاني باتجاه لبنان، لأنه يرتكز إلى قناعة راسخة بحماية دوره ورسالته، والنأي ببلاد الأرز عن أن تكون ساحة للصراعات الإقليمية والدولية”، وقال: “إن مواقف قداسة البابا التي تستذكر لبنان في الصلوات وتدعو للوقوف إلى جانبه، إنما تعبّر عن خوف حقيقي على هذا البلد، وفيها إشارة للقوى الفاعلة لعدم استخدامه كساحة للصراعات الإقليمية والدولية أو استباحة سيادته”.
وأضاف: “إن تحطيم التجربة اللبنانية لا يمسّ الوجود المسيحي فقط، بل يؤثّر على قضايا أكبر وأوسع بكثير، لذلك فإن دعم جهود إنقاذ لبنان بات مسؤولية أخلاقية عالمية لصون الدولة والنموذج والرسالة، وليكون ترجمة حقيقية لمقولة البابا يوحنا “لبنان أكثر من وطن، انه رسالة”.