IMLebanon

الخاسر الأكبر من انفجار المرفأ هو الشعب

كتب بسام ضو في “الجمهورية”:

لعل انفجار مرفأ بيروت وما نتج عنه من خراب ودمار وتقاذف في الاتهامات بين من يُمارسون السلطة صُورياً، هو أبرز قضية شهدها تاريخ لبنان بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني، إذ انّ هذا الإنفجار تجاوز من حيث أهميته وتأثيره على الأحداث الدائرة في منطقة الشرق الأوسط أيّ حدث. وأود في بداية المقال أنْ أرتكز إلى «معاهدة تجارة الأسلحة»، والتي تُعّد أول صك مُلزم قانوناً أجريَت بشأنه مفاوضات في الأمم المتحدة من أجل وضع معايير موحّدة لنقل الأسلحة على المستوى الدولي، علماً أنه قد بدأ العمل من أجل وضع معايير دولية موحّدة لتجارة الأسلحة إذ تعود أصوله إلى مشروع اتفاقية عصبة الأمم، كما تذكر United Nations Audiovisual Library of international Law، أنه في العام 1991 أُنشىء سجل الأمم المتحدة للأسلحة باعتباره الآلية الدولية الرئيسية لتعزيز القدرة على التنبؤ والشفافية في تجارة الأسلحة، كما صدر في العام 1997 مدونة لقواعد السلوك الدولية بشأن نقل الأسلحة وضعتها مجموعة من الفائزين بجائزة نوبل للسلام. ويذكر المصدر أعلاه أنّ الإتحاد الأوروبي أصبح، بحلول العام 1998، من مجموعة الدول التي قبلت العمل بمدونة لقواعد السلوك على الصعيد الإقليمي بشأن صادرات الأسلحة.

من خلال عدة دراسات إطّلعنا عليها كباحثين، لاحظنا أنّ مسألة الإتجار غير المشروع بالأسلحة تُطرح بحِدّة في كل من المناطق التالية: أفريقيا – أميركا اللاتينية – منطقة المحيط الهادىء وجنوب شرق آسيا. وفي العام 1999 أعلنت دراسة أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ توافر الأسلحة من دون ضوابط يشكِّل عاملاً رئيسياً يُسهم في معاناة المدنيين خلال النزاعات المُسلّحة وبعدها في تزايد الخسائر في صفوف المدنيين.

فبما أنه يمكن الحصول على الأسلحة بسهولة شديدة، فإنّ احتمالات ارتكاب انتهاكات القانون الدولي والإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان تتزايد وتواجه أنشطة تقديم المساعدة الإنسانية والإنمائية العديد من العراقيل. كما أُذكِّر القيّمين على النظام اللبناني، والذين على ما يبدو كانوا يتجاهلون حمولة الباخرة من المواد المتفجرة، أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة قررت في قرارها 64 / 48 المؤرّخ في 2 كانون الأول 2009 عقد مؤتمر للأمم المتحدة بشأن إبرام معاهدة تجارة الأسلحة لمدة 4 أسابيع متتالية لإعداد صك مُلزم قانوناً يضع أعلى معايير دولية موحدة ممكنة لنقل الأسلحة.

كما تقرر أن يعقد المؤتمر الدبلوماسي على نحو مفتوح وشفّاف على أساس توافق الآراء من أجل التوصّل إلى معاهدة قوية وشفّافة. وأرتكز في مقالي إلى المادة السابعة من المعاهدة، التي تنصّ: «يتعيّن على السلطات القائمة بالتصدير النظر في احتمال ما إذا كانت الأسلحة أو الأصناف: – تساهم في توطيد السلام والأمن أو في تقويضهما. ويمكن أن تستخدم في: – إرتكاب انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان أو تيسير ارتكابه. – إرتكاب عمل يُشبه جريمة بموجب الإتفاقيات أو البروتوكولات الدولية المتعلقة بالإرهاب أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، التي تكون الدولة المُصدِّرة طرفاً فيها، أو تيسير ارتكاب هذا العمل. – مراعاة احتمالات استخدام الأسلحة في ارتكاب أعمال عنف خطيرة لاعتبارات إنسانية أو أعمال العنف ضد الأبرياء».

دائماً أرتكز في أبحاثي إلى الأدلة الدامغة، وفي سياق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المعنون «الإتحاد في مواجهة الإرهاب»، هناك توصيات لاستراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب ورقم الوثيقة A /60/825، والتي تضمنت عدة ثوابت، منها على سبيل المثال لا الحصر: إلتزام زعماء العالم بمؤازرة جميع الجهود الرامية إلى دعم المساواة في السيادة بين جميع الدول واحترام سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي، والامتناع في العلاقات الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها بأيّ شكل يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها، إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

بعد كل هذا السرد ألا يحقّ لنا أن نسأل الدول الكريمة، ومنذ وصول هذه الكميات الضخمة من المتفجرات إلى مرفأ بيروت وتخزينها في أحد العنابر، من هي الجهة التي طلبت تلك البضاعة؟ وما الغاية من وجهة استعمالها؟ ألم تقرأوا نصوص المعاهدات الدولية في ما خَص موضوع الإتجار بالأسلحة ؟ ألم تلاحظوا أنّ هناك عملاً إجرامياً هدفه تقويض الأمن والسلم الإقليمي والدولي ؟ ألا تخجلون من تراكم صور الأبرياء جرّاء هذا الإنفجار ؟ ألا تخجلون من الدمار الذي حلّ بالمرفأ وبأحياء مدينة بيروت ؟ ألا تتقوا الله ؟… إنّ الخاسر الأكبر من انفجار الغدر هو الشعب اللبناني الذي يرزح تحت هيمنة طبقة سياسية فاسدة ومضطرّ للرضوخ لتدخلات إقليمية – دولية سترسم ملامح منظومة سياسية جديدة ستكون في الأرجح على حسابه وعلى حساب الدولة اللبنانية المرهقة بالمتاعب… الله يعين لبنان وشعب لبنان.