كتب فاروق يوسف في “العرب اللندنية”:
سيكون الانتظار نوعا من الانتحار الجماعي. فما حدث/ما يحدث في لبنان إنما يشير إلى انهيار قدرة المواطن العادي على الحصول على غذائه اليومي في ظل عجز الدولة عن السيطرة على السوق وأسعار البضائع.
كل يوم مضاف هو عبارة عن خطوة في اتجاه الهاوية. غير أن ذلك لا يعني أن شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني كانت قد سقطت في الهاوية في وقت سابق، أو هي اليوم تقف على حافاتها في انتظار سقوطها.
ما لم يتعامل سياسيو لبنان معه بطريقة جادة كما لو أنه يحدث في بلد بعيد تنبهت له فرنسا واعتبرته دافعا ملحا لتنفيذ خطتها الإنقاذية وهي تدرك أن الفساد المستشري بين أفراد الطبقة السياسية اللبنانية سيحول بينهم وبين إمكانية التفكير في الاتفاق على خطة إنقاذ وطنية.
وفق الخطة الفرنسية فإن تشكيل الحكومة يجب أن لا يستغرق إلا أياما أما الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي والدول المانحة، فيجب أن تأخذ طريقها إلى التطبيق الواقعي خلال أسابيع، وإلا فإن لبنان سيغلق على نفسه أبواب النحس ويكون عليه أن يواجه الانهيار الشامل.
خطة من ذلك النوع لا تعجب أطرافا من الطبقة السياسية، وهي الأطراف التي اعتقدت أن انفجار الرابع من أغسطس سيكون مناسبة لكي يشفق العالم على لبنان ومن خلال تلك الشفقة ستنال القوى السياسية المهيمنة على الدولة حصتها من المساعدات الدولية التي ستمر من خلال مؤسسات الدولة.
المفاجئ والصادم أن فرنسا وهي التي أشرفت على مؤتمر المانحين كانت قد فرضت شروطا من أجل وصول تلك المساعدات إلى الجهات المتضررة، كان أهمها أن لا تكون الدولة اللبنانية وسيطا بين المانحين وتلك الجهات، وأن يتم الإعمار بطريقة مباشرة من غير أن تدخل مؤسسات الدولة اللبنانية طرفا فيه.
“ماكرون هو المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية”.
تلك عبارة صار يتم تداولها بين إعلاميين قرروا استغباء الرأي العام اللبناني تحت شعار السيادة الوطنية والتحذير من الاحتلال. ليس صعبا الاهتداء إلى مصدر تلك العبارة التي تنطوي على الكثير من المعاني السلبية. فهي جزء من ردود الأفعال على الخطة الفرنسية التي تتمنى أطراف لبنانية لو أنها تمكنت من إيقاف العمل بها غير أنها في هذه اللحظة لا تقوى على الاعتراض عليها علنا ففضلت اللجوء إلى التشهير التهريجي بها.
من المؤكد أنهم يعتبرونها مؤامرة على المقاومة.
تلك فرية يُراد من خلالها استمرار الأوضاع المزرية على ما هي عليه. وهي الأوضاع نفسها التي أدت إلى وقوع كارثة المرفأ. وما يؤكد ذلك الاستنتاج أن قوى ما يسمى بالمقاومة لم تتعامل بطريقة محترمة فيها قدر من التفاعل الإنساني مع ما نتج عن الانفجار من آثار مدمرة ألحقت الضرر بالبشر والحجر ووضعت بيروت على لائحة المدن المنكوبة.
لا تزال قوى المقاومة متمسكة بوجهة نظرها التي توجّه اللوم على الخطأ الذي أدى إلى وقوع الانفجار ولا تلتفت إلى أساس الجريمة الذي يكمن في تخزين أطنان من مواد قابلة للانفجار في موقع مدني. وهي إذ تفعل ذلك فإنها تعفي نفسها من أي مسؤولية عما جرى.
لبنان كله بالنسبة للمقاومة هو موقع عسكري لا يُستثنى شبر منه من إمكانية أن يكون ثكنة يلجأ إليها المقاتلون. وهنا يكمن خطر حزب الله على مصير اللبنانيين كما أنه يشكل خطرا على السيادة الوطنية بمفهومها الحقيقي، ذلك لأن ما تبقى من الدولة اللبنانية لا تملك سلطة على أراضيها.
لبنان لا يملك وقتا لحل مشكلاته المتراكمة وليس من المستبعد أن لا يقف حزب الله في طريق الخطة الفرنسية في الوقت الراهن وستكون فرنسا حريصة على أن تخترق تلك الخطة حدود حزب الله. ولكن إلى متى يستمر ذلك الصلح؟
ذلك هو السؤال الصعب.