كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
ليس لدى المُلتقين من الحراك المدني مع مساعد وزير الخارجية الأميركي دافيد شينكر من ما «وراء الشاشة»، الكثير ليشرحونه أو ليدافعوا عنه، فالقضية طبيعية بالنسبة إليهم والأمر يتطلب تواصلاً مع المجتمع الدولي بعد أيام قليلة على لقاء سياسيين في السلطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع إستثناء أن لهجة الضيف الفرنسي كانت مهينة بحق ممثلي السلطة الذين إستدعاهم للقائه!
هكذا يستهل أحد الناشطين في الحراك والعضو المؤسس في مجموعة «أنا خط أحمر» التي بدأت التحرك منذ ما قبل تاريخ 17 تشرين، وضاح الصادق، حديثه عن ظروف الاجتماع مع الديبلوماسي الأميركي.
انطلاقا من هنا يدافع الصادق ومن معه عن لقاء حصل في إطار التواصل «المطلوب لبلد محاصر بالكامل مع المجتمع الدولي وكان ذلك بغاية الأهمية لنا كثورة». هو يأسف لكون إنفجار المرفأ قد مهد لهذا المجتمع الدولي لكي يضع يده بيد اللبنانيين كونه رأى بأن ما حدث هو نتيجة فساد السلطة وإهمالها وقيادتها شعبا كاملا الى التهلكة.
وفي مقابل الهجوم الذي تعرض له وغيره ممن إلتقى شينكر، يُعلق الصادق بتهكم على ظروف الإجتماع السابق لجهات سياسية بماكرون الذي بعث لملتقيه بخارطة الطريق على أن يُقيم أداءهم ويضع لهم العلامات مع عودته بعد ثلاثة أشهر!
«لذا ليس من حق هؤلاء التهجم علينا، فالتواصل هام جدا مع المجتمع الدولي وقد سبق لي اللقاء مع وزير الخارجية الألماني»، يقول موضحا أن ثمة أسباب لاختيار شينكر لمن التقاهم والذين تحدث كل منهم معه في إختصاصه.
وبالنسبة الى مجموعته، فإن اللقاء عبر الإنترنت جاء «كوننا نمثل ثورة القطاع الخاص الذي من الأهمية بمكان استمراره، إضافة الى اننا جئنا من تجارب سياسية ماضية وإن اعتذرنا عنها وانخرطنا في الثورة، كما أننا نملك قوتنا الاعلامية ونستطيع جمع الثورة مع الأحزاب السياسية والنواب المستقلين على طاولة واحدة».
كان من الواضح أن شينكر يريد تجنب المسؤولين الرسميين وثمة من يشير الى انه أراد بذلك الايحاء بانه لا يريد المضاربة على الدور الفرنسي. هنا، يلفت الصادق الانتباه الى أن الضيف الأميركي أكد أكثر من مرة إتفاق الادارة الاميركية الكامل مع باريس على الخطة المقترحة.
وكان لحديثه حول أن «لديكم رئيسا للوزراء» وتعداده للأيام لتشكيل الحكومة، دلالة كبيرة ما يشير الى جدية المجتمع الدولي حول مهلة التشكيل لحكومة شدد شينكر على انها يجب ان تكون مستقلة من دون أن يتم اختيارها من الاحزاب.
ستكون حكومة إنقاذية إقتصاديا تفتح الأبواب مع «صندوق النقد الدولي» وتستهل الاصلاحات وتكون في مستوى إدارة الانتخابات في البلاد. لكن الدلالة الثانية التي تحدث عنها شينكر في اللقاء تمثلت في ما سماه «عرقلة إستخراج الغاز من قادة البلاد بينما يمكن إدخال الاموال عبر عملية الغاز والنفط وهو الأمر الذي يعرقله الفساد كما عدم الجدية» في لبنان.
من هنا، أراد المسؤول الأميركي تجنب المسؤولين الرسميين في لبنان والتشديد على العمل الأميركي على صعيد إدخال المساعدات الى لبنان والتي لن يكون إدخالها عن طريق السلطة فيه.
«أنا خط أحمر».. وإنعطافة «الثورة»
في موازاة ذلك، تبدو مجموعات الحراك أمام استحقاق متجدد قبل أسابيع من الذكرى الاولى لانتفاضة 17 تشرين الأول.
ويرى الصادق «أننا نمر في إنعطافة في عمل الثورة، والشارع يجب أن يبقى مستمرا لكن عبر ضغط هادف وفي المكان الصحيح»، خاصة بعد أعمال العنف الاخيرة التي شابت التحركات الاحتجاجية «التي لا تمثل الثورة وتأتي من قبل مدسوسين».
وسيكون على «الثورة» في المقابل من الايام الانخراط في العمل السياسي في موازاة ضغط «هادف» للشارع. والهدف اليوم يتمثل في إستحقاق الانتخابات النيابية التي يجب على «الثورة» مواكبتها بتحالفات توصل الى لوائح موحدة. وعلى طريق ذلك ثمة عمل لتشكيل جبهات تنضوي المجموعات في اطارها تمهد خلال اسابيع لهيئة تنسيق وجبهة «سياسية ثورجية».
يرى الصادق الامر طبيعيا في ظل التعدد القائم على مدى الانتفاضة الشعبية من أقصى اليسار الى أقصى اليمين وبينهم الوسطيين والمستقلين. وبينما يصنف كثيرون «أنا خط أحمر» بوصفها مجموعة نخبوية أسقطت نفسها على الانتفاضة، يشير الى «أننا مجموعة قادمة من القطاع الخاص ومن متطوعين ونمثل شركات فيها آلاف الموظفين، ونريد حفظ هذا القطاع كونه يمثل نحو ثمانين في المئة من الناتج القومي ويدفع رواتب القطاع العام، وإنهياره يعني إنهيار البلد».
وفي تعريف حركة 17 تشرين، يشدد الصادق على أن «أنها ليست ثورة فقر، بل هي ثورة ذل أوصلتنا الى الفقر، ونحن انتفضنا لكرامتنا ونريد بلدا آمناً لا نعيش فيه محكومين ورهائن»، كما يؤكد «أننا نحتفظ بأقل ميزانية بين الثوار تتجاوز 14 مليون ليرة لبنانية في الشهر ويساعدنا متطوعون كثر كما أننا ننشر إعلاناتنا مجاناً».
وعلى صعيد الهيكلية الداخلية، يشرح: لقد إنتخبنا هيئة تنفيذية برئاسة سمير صليبا وفي موازاتها لدينا جمعية عمومية تضم عدداً كبيراً من المنتمين الى القطاع الخاص، إضافة الى لجان فرعية إحداها لجنة أرض التي بدأت حديثا وفيها آلاف الشباب والشابات.. ولدينا تواصل مع نحو خمسة آلاف من موظفي الشركات».
تحتفظ المجموعة ببعض التباينات على ما يبدو مع بعض فئات الحراك، لكن الهدف الأكبر يبدو موحداً وهو رفض حكومة السياسيين والدعوة الى إنتخابات نيابية ترى المجموعة أنها الوسيلة الوحيدة لتغيير السلطة وليس عبر الشارع ما تنادي به فئات راديكالية في الانتفاضة. وفي كل الأحوال، تمر «الثورة في مفترق زمني يجب أن ينقلنا من الثورة.. الى المعارضة في السياسة» كما يؤكد الصادق.