كتب الأب رفعت بدر في “الرأي”:
نشأت العلاقات الدبلوماسيّة بين لبنان والكرسي الرسولي في تشرين الثاني من العام 1946 حيث فتح لبنان مفوضيّة له وعيّن السيد شارل الحلو أوّل وزير مفوّض. وقد قدّم أوراق اعتماده إلى البابا بيوس الثاني عشر في 17 آذار 1947، وحوّلت المفوضيّة إلى سفارة بتاريخ 2 حزيران 1953.
إلا أنّ اهتمام الفاتيكان بلبنان ليس دبلوماسيًا فحسب، بل هو روحي واجتماعي وثقافي وحواري. فالكنائس الشرقية الكاثوليكية حاضرة في لبنان منذ مئات السنوات، وأهمها الكنيسة المارونية والسريانية والأرمنية والروم الكاثوليكية، وتربطها مع الفاتيكان علاقات ادارية تتبع للحبر الاعظم في حاضرة الفاتيكان، ويعيّن اساقفتها من خلال السينودس الخاص، وبموافقة البابا. لكنّ لبنان يمثّل بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد وطن، إنّه رسالة». وهذا المصطلح جاء على لسان البابا يوحنا بولس الثاني الذي في 7 أيلول عام 1989، وفي رسالة عامة الى جميع أساقفة الكنيسة الكاثوليكية، حول الوضع في لبنان، قال جملته الشهيرة: «لبنان هو أكثر من بلد، هو رسالة حريّة ومثال للتعدديّة للشرق كما للغرب». وقد زار البابا ذاته لبنان في أيار عام 1997، ووقّع هناك الإرشاد الرسولي بعنوان: «رجاء جديد للبنان».
وفي عام 2012 زار البابا بندكتس السادس عشر لبنان، ووقّع إرشاده الرسولي حول «الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة». وفيه دعا الى تطبيق مبدأ المواطنة والمساواة جملة وتفصيلا، وليس فقط الحديث عن التسامح والتعايش وغيرها من المصطلحات التي نجدها على صفحات الدساتير، دون تطبيق عملي.
وفي هذه الأيام اللاحقة لانفجار بيروت، أوفد البابا فرنسيس أمين سر (أو رئيس وزراء) الكرسي الرسولي – الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين في ذكرى مرور شهر على الانفجار المأساوي في مرفأ بيروت، وعبّر عن تضامنه الشديد مع عائلات الضحايا والجرحى والمواطنين الذين فقدوا بيوتهم وأعمالهم، وزار عدد من المراكز المتضرّرة، والتقى بالعديد من العائلات المنكوبة، بالإضافة إلى لقائه ببطاركة الكنائس الكاثوليكية وبممثلي الديانات و«الطوائف» المتعدّدة في لبنان، وكان يقول في كل مكان: «لبنان ليس وحيداً، ونحن نقف إلى جانبكم متضامنين لنعبّر عن محبتنا لكم».
وشدّد الرجل الثاني في الفاتيكان على «عدم ترك لبنان فهو بحاجة إلى العالم، كما أنّ العالم بحاجة إلى خبرة لبنان الفريدة، ومعًا سنعيد بناء بيروت».
هي إذن رسالة إنسانيّة، أراد البابا فرنسيس إرسالها إلى لبنان، وهو لا يبتغي التدخّل السياسي، ولا الدخول ضمن ترشيحات القيادات السياسيّة المقبلة، لكن جلّ اهتمامه هو الحفاظ على «رسالة» لبنان، والتضامن مع إنسانه المتألم الذي يطمح لبناء مستقبل نقيّ من الفساد باشكاله كافّة، وخالٍ من الانفجارات الغامضة.