كتب د.ناصر زيدان قي صحيفة الأنباء:
رغم الصمت والتكتم الذي يرافق مسار تأليف الحكومة العتيدة، تشير المعلومات المتوافرة إلى أن الرئيس المكلف مصطفى ديب يواجه تأليفا صعبا، بعد أن مر عليه التكليف بسلاسة وهدوء، ويقول المواكبون لحركة أديب، إن تعاطي المرجعيات الرئاسية في عملية التأليف ليس مرنا، وما زال أسلوب البحث عن الذات وعن الصلاحيات وعن المصالح قائما، والاشتراطات التي لم تشر اليها أي من تصريحات رؤوساء الكتل بعد الاستشارات، بدأت تطوف على سطح التأليف، وقد تجهض الأجواء الإيجابية التي أنتجتها المبادرة الفرنسية.
في المعطيات المتوافرة عن جوجلة الأسماء والحقائب وعدد الوزراء على أوراق الرئيس المكلف، كثير من الخربشات التي تخفي أسماء وأعدادا وفي القلم الأسود العريض، وذلك ينم عن تدخلات كبيرة لا تختلف كثيرا عن التدخلات والضغوطات التي كانت تتعرض لها عملية تأليف الحكومات السابقة، باستثناء حكومة الرئيس حسان دياب التي مرت بسرعة فائقة، لأن الأسماء فيها لم تكن ذات أهمية، كونها تمثل فريقا واحدا.
ورغم شح المعلومات الواردة من أوساط الرئيس المكلف، تأكد وضع بعبدا لمجموعة من الشروط على الحقائب والأسماء وعدد الوزراء الذين ستتألف منهم الحكومة، وقال مطلعون على ما يجري: إن بازار توزيع الحصص فتح على مصراعيه في الاجتماعات التي حصلت بين الرئيس عون والرئيس المكلف، وبين هذا الأخير والثنائي الشيعي، مما أربك أديب، وأضفى أجواء من التشاؤم على عملية التشكيل، وهو ما سيفتح الأبواب على اشتراطات مقابلة من طوائف أخرى لا تقبل بتهميشها بالمواقع بصرف النظر عن الأسماء، أو أن العملية ستضفي الى تشكيل حكومة مشابهة لحكومة دياب المستقيلة، وبالتالي تكون البلاد أمام ضياع فرصة الإنقاذ الأخيرة، ونتائج ضياع هذه الفرصة ستكون كارثية أكثر مما يتصوره البعض.
لا يمكن الاعتداد بالصلاحيات وبموازين القوى الحالية بمناسبة تشكيل هذه الحكومة التي يجب أن تكون إنقاذية بالكامل، ومرونة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تدوير الزوايا ومراعاة قوى الأكثرية أغضبت كثير من اللبنانيين، كما أنها كانت محل انتقاد من جهات عربية ودولية، وخصوصا من الأميركيين، وقد اتهم البعض الرئيس ماكرون بمراعاة حزب الله وقوى السلطة أكثر مما ينبغي، ووصل الأمر الى حد تسريب معلومات عن صفقة فرنسية – ايرانية لإيجاد حل لا يكون على حساب «خط الممانعة» والرئيس عون وفريقه من ضمن هذا الخط بطبيعة الحال.
كل المؤشرات المالية والاقتصادية، تؤكد أن المبادرة الفرنسية هي الفرصة الأخيرة لوقف الانهيار، والمزاج الشعبي اللبناني الجارف أصبح على عداء مع غالبية الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد الى هذا الدرك.
ومن هذين العاملين يمكن رسم صورة لما قد يحصل في حال تمت عرقلة تشكيل الحكومة، او في حال تم تشكيلها على وقع ضغوطات قوى السلطة، عندها لن تسلم هذه القوى ولن تسلم البلاد، ولا يمكن توقع تفاصيل ما سيحصل، وكلام المرجعيات الدينية عن مراعاة المواقع الرئاسية وغير الرئاسية لاسباب طائفية، لن يؤثر على مشاعر الامتعاض والغضب الذي سيولده الفشل.
الرأي العام اللبناني والعربي والدولي الذي تعاطف مع المبادرة الإنقاذية، لن يسمح لهذه المبادرة بأن تفقد مضمونها، وبالتالي لن يقبل بعودة تقاسم الحصص على القوى السياسية، لا بالمباشر ولا بالمواربة. والانتخابات النيابية الفورية ستكون مطلبا وحيدا أمام كل هذه القوى، وبقانون انتخابي جديد سيصدر على وقع ضغوطات هائلة ستحصل، وهذه الانتخابات ستفرز واقعا تمثيليا جديدا، ينتخب رئيسا جديدا للجمهورية، ويفرض حكومة سيادية مستقلة تنقذ البلاد. ومن يعتقد أنه يستطيع أن يعطل هذه المقاربة، واهم، مهما كان لديه من قوة.