Site icon IMLebanon

الدكتور جعجع.. صورة السياسي الذي يؤمن قولاً وفعلاً بإرادة التغيير

كتب محمد بسام الحسيني في “الأنباء الكويتية”:

يتميز د. سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية بأنه بين قلة قليلة جداً من السياسيين اللبنانيين الذين طبقوا مبدأ مراجعة الذات ومحاولة تنقيتها من شوائب الماضي، ولذلك يبدو في كل كلمة له خطيباً مقبولاً ومتصالحاً مع نفسه ومنسجما مع إرادته في طيّ صفحة لغة القوة والحرب والكفاح المسلح والإصرار على منطق الدولة، ويقدم لنا بوضوح صورة السياسي الذي يؤمن قولاً وفعلاً بإرادة التغيير بالسبل الديموقراطية والمدنية والمتحضرة التي تستبعد الجنوح عن السلمية.

من تابع خطاب د.جعجع بالأمس في «ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية» الذي أقامته «القوات»، يلاحظ كل هذه الأمور، وحبذا لو ينتهج بقية السياسيين من المغضوب عليهم في الشارع اليوم نفس منهجية الاعتراف والمراجعة بدلاً من المكابرة ليكونوا أكثر مقبولية، وليفكر الناس بإعطائهم فرصة بعد كل ما أحدثوه من دمار في الاقتصاد والمجتمع.

ومع ذلك، تبقى ثمة ملاحظات لابد من أخذها في الاعتبار بعد سماع كلمة د.جعجع، وهي إصراره على صورة «الزعيم المسيحي»، رغم أن ما يطرحه وطرحه خلال السنوات الماضية من أفكار يلقى قبولاً لدى فئات لا بأس بها من اللبنانيين المسلمين الذين لو جرت انتخابات الآن سيصوتون لتوجهاته حتماً.

ولو استثمر في مخاطبة هذه الفئات بالشكل الملائم، فإنه سيضيف إلى رصيده المسيحي رصيدا آخر يجعله المرشح الأبرز لقيادة كل لبنان مستقبلاً.

نعم، ذاكرة المواطن عادة قصيرة، لكن مع الأزمات الكبرى والخسارة خاصة المالية المباشرة كما حصل بسبب أزمتي البنوك وانفجار بيروت، فإنه يعود الى الاهتمام بالمراجعة وتقييم الأحزاب ومعاييرها في اختيار الوزراء ويكتشف حتى ولو كان مسلماً أن خيارات «القوات» ـ وكذلك «الكتائب» ـ عند مشاركة الحزبين كانت الأفضل والأقرب لما يطمح إليه اللبنانيون رغم التضييق على الحزبين وعدم إتاحة الفرصة لهما بالعمل كما يجب.

وتميزت «القوات» باعتماد معيار الكفاءة في الوظائف العامة، وهو برأينا أهم ما قدمته، متسامية بالفعل وليس بالشعارات على الطرح الطائفي وصولاً إلى محاولة الانفتاح والحوار وعدم الإلغاء، كل هذا يثبت أنه عند اختبار «القوات» جدياً فإنها لم تتصرف طائفياً بل وطنياً، ولهذا نجد ان الثورة في لبنان لم تتخذ موقفاً حاداً منها كما فعلت مع بقية الأحزاب.

ما يتبقى أمامها وأمام رئيسها هو تحدي مخاطبة القسم الآخر من اللبنانيين وصولاً الى مرحلة لا تعود فيها حتى أفكار مثل «الديموقراطية العددية» التي حذر منها الدكتور جعجع تخيفها لأنها واثقة من أن اللبنانيين لن يخذلوها، وإلا فإنهم سيكونون ضد مصالحهم.

غالبية اللبنانيين اليوم يريدون مشروع الدولة وعودة الرخاء وإعادة تكوين الإدارة بشكل يحدّ من الفساد ويطمحون لاستعادة ودفء العلاقــــات مع الأشقاء وكلها أمور مفقودة حالياً، وتحتاج تجديداً سياسياً لإتمامها.

في أميركا، يدرك الساعون للرئاسة أو أي مناصب قيادية أهمية التوجه الى كل مكونات البلد، لذا يجهد كل منهم لإظهار ما قدمه للجميع وليس لفئة محددة، رغم ان مشاكلهم أحيانا مثل القضايا العنصرية لا تقل تعقيداً عما نعانيه في دولنا، ولها انعكاساتها على كل الفئات، فالرئيس دونالد ترامب ـ مثلا ـ يهمه الحصول على نسبة تأييد ولو مقبولة لدى الأميركيين ـ الأفارقة أو اللاتينيين أو الآسيويين ليعزز قوة رئاسته وشعبيته، وفي المقابل يسعى منافسه جو بايدن ـ لو فاز ـ الى ان تكون نسبه بين من يطلق عليهم «الأميركيون ـ البيض» عالية حتى وان تقدم عليه ترامب بينهم ليكون الفائز بالمحصلة والقادر على الجمع وليس المزيد من التفرقة.

ونأمل من د.جعجع كمراقبين للسياسة اللبنانية من الخارج أن يواصل مسيرته بنفس الزخم، ولكن بمزيد من الانفتاح على الآخر، وحضورا له في خطاباته، لكسبه في جانبه والتأسيس لنهج سياسي ووطني جديد وتأسيسي لمستقبل لبنان، فذلك سيزيد من رصيده وسيعطي «القوات» مكانة أكبر ودوراً أهم كحزب سياسي يملك مشروع إدارة وطنية على امتداد البلد.