كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
من يراقب ما يجري على وسائل التواصل الإجتماعي حول “فضائح” بلدية بيروت يوقن أن ثمة حرب “مستندات” طاحنة، تدور رحاها بين “تويتر” النائب هاغوب ترزيان وفيديوات على “انستغرام” وأخبار المواقع الالكترونية ذات الأخبار السريعة، أما مادتها الرئيسية فهي إما مستقاة من موظف البلدية “مارك كرم” تتناول هدراً مالياُ بقيمة 4 ملايين دولار تٌدفع لمكب برج حمود على الرغم من إقفاله، أو تدور حول اتهام كرم بمخالفات وظيفية وتحرش جنسي بموظفات. فلِمَ الربط بين المسألتين؟
بغض النظر عن الإختلاف بوجهات النظر في شأن صحة الإتهامين، إلا أن الخلط بين المسألتين سيضيّع “الشنكاش”. فحتى لو لم تثر الفضائح إلا واحدة مقابل أخرى، فذلك لا ينفي أنه يمكن أن تكون القضيتان صحيحتين أو العكس. أما أن يتم الربط بينهما بهذا الشكل المريب، فلا يهدف إلا إلى “غسل” إحدى القضيتين من الشُبهة، وشيطنة الأخرى ضمن عمل مبرمج يقي المتهمين من المحاسبة، وكي لا ينتهي الأمر بالتغاضي عن ملف “الهدر” مقابل ملف “التحرش” المعاكس، لِمَ لا نتناول كل قضية على حدة؟
قضية هدر الأموال
فتح رئيس الدائرة الإدارية في مصلحة النظافة، المعين حديثاً في منصبه، مارك كرم، قضية هدر أموال طائلة تتمثل في استمرار دفع بلدية بيروت مبالغ مالية لبلدية برج حمود لقاء استقبال نفايات بيروت في مطمر برج حمود (المُقفل منذ سنتين)، وإنفاذاً لما ذُكر في العقد المبرم أي طوال أربع سنوات، وينص العقد على “اشراف على عملية إيصال النفايات إلى المكب القائم ضمن نطاق بلدية برج حمود وذلك عبر التأكد من العملية المذكورة منذ لحظة دخول الشاحنات المحملة بالنفايات إلى نطاق البلدية ولغاية وضع النفايات في المكان المحدد لذلك (مكب برج حمود) بما لا يقل عن 200 طن يومياً من نفايات مدينة بيروت لقاء مبلغ إجمالي قدره ستة ملايين دولار أميركي على أن يقسّم على دفعات تبدأ بسداد 25% من المبلغ الإجمالي المحدد فور المصادقة على العقد الحاضر من قبل المراجع المختصة، وحينها كان المطمر غير مقفل فدُفع المبلغ، تليها 25% من المبلغ الإجمالي المحدد خلال السنة الأولى مقسمة على دفعات فصلية و25% خلال السنة الثانية مقسمة فصلياً و25% خلال السنة الثالثة.
وعلى الرغم من إقفال مكب برج حمود وصدور قرار بتحويل نفايات بيروت إلى مكب جديد، استمرت لجنة الإستلام في بلدية بيروت، في تنظيم محاضر الاستلام من دون الكشف والتوقيع بشكل اوتوماتيكي، لصرف الأموال المخصصة لبلدية برج حمود المنصوص عنها في العقد المبرم كان آخرها ما كشفه كرم من صرف للدفعة الثالثة ما قبل الأخيرة، عن السنة الثالثة الأخيرة للفترة الممتدة من 17/1/2020 ولغاية 16/4/2020 وهو ما يوثقه محضر الاستلام رقم 11 والمذكورة فيه آلية الدفع وعليها توقيع كل من رئيس الوحدة المختصة المهندس ربيع حيدر وهو بالمناسبة الشخص الذي استلم مكانه مارك كرم الآن، والمهندس باسم العويني والمهندس بيار الفغالي والمهندس حسن يونس. وعليه، أوقف كرم الدفعات التي لم تصرف وأعلن أنه يرفض التوقيع على أي محاضر لاحقة تخص هذا الملف الذي فيه ما فيه من هدر واضح للمال العام. والسؤال هنا، كيف يمكن للجنة كاملة التوقيع على أعمال لم تحدث؟ وما هو السر وراء ذلك؟
الوثيقة الأولى
هي حرب بكل معنى الكلمة بين “عقد قانوني” يريد مارك كرم أن ينفذه بحذافيره، وواقع حال مختلف تماماً عن العقد. فقد علمت “نداء الوطن” أنه وفي سنة 2017 تم الإتفاق سياسياً على تقسيم نفايات بيروت بين مكب برج حمود ومكب صيدا على أن تدفع بلدية بيروت لكل منهما مبلغاً وقدره 6 ملايين دولار أميركي “كحوافز” أو “عربون شكر” لكن كان هناك تخوف من أن يتخلف أحدهما عن استقبال النفايات في ما لو دفعت هذه الحوافز “ضربة واحدة” فجرى الإتفاق على تقسيمها على 4 سنوات وبناء على “أطنان معينة” على أمل أن تبنى المحرقة بعد هذه المدة، كما تم الإتفاق على وضع جملة في المادة الثالثة تقول “كل قرار يرمي إلى وقف العمل في مكب النفايات المذكور أكان قضائياً أم إدارياً يؤدي حكماً إلى وقف العمل بهذا العقد” واتفقوا على توقيع عقد شكلي تحت عنوان “الإشراف على النفايات” وهو ما يقال عنه “لزوم ما لا يلزم” لأنه ليس من المنطقي أن يتم عقد بعنوان “حوافز شكر لإستقبالكم نفاياتنا”. وبحسب المصدر، اتفقت كل الأطراف السياسية على صرف هذه الهدية على دفعات وبطريقة “شكلية” بحتة بما أنه قرار سياسي “من فوق” واقتضى الحفاظ على هذه المصالح. لكن لسوء الحظ وصل المكب إلى سعته، قبل الإنتهاء من استلامه كامل هديته المتفق عليها.
الوثيقة الثانية
لكن، بعد تعيين كرم خلفاً لحيدر، وقعت المستندات بين يديه، وأوقف الدفعات المتفق عليها بخاصة في الوضع الإقتصادي الحالي. وفي هذا الإطار، عانى البيروتي ولم يزل من أحكام توافقية تنفق أموالنا شمالاً ويميناً خاصة في ملفات النظافة والنفايات، إذ لم يتم العمل على خطة نهائية للتعامل مع هذا الملف واضطرارنا في غالب الأمر إلى “تقبيل اللحى” للتخلص من نفاياتنا. وبالتالي، بين التوافق السياسي على الهدية والموظف الذي أوقفها، يقف البيروتي منا، تائهاً بين “أموالي أنا أحق بها” وبين “الهدية لا تُرد”. وعليه اليوم، قانونياً وسياسياً، يُترك القرار للمحافظ الجديد.
مخالفات وظيفية وتحرش؟
بدأت مسيرة مارك ديب كرم، الذي كشف ملف الدفع الشكلي لبلدية برج حمود، مع بلدية بيروت سنة 2010 بصفة متعاقد فئة ثالثة كرئيس دائرة العلاقات العامة في مصلحة الشؤون الإدارية ثم تم نقله إلى دائرة اللوازم في مصلحة المالية، ثم الى الدائرة الإدارية في مصلحة المسلخ، ثم، وبعد خروج حيدر وعدم وجود بديل “درزي” كما جرت العادة في هذا المنصب، تم نقله إلى مصلحة النظافة كرئيس الدائرة الإدارية حالياً، وعليه، تؤكد بعض المصادر في بلدية بيروت لـ”نداء الوطن” أنه تتم محاربته منذ اللحظة الأولى كي تتم تنحيته عن هذا المنصب وإحالته إلى مقعد آخر “مسيحي” فالمحاصصة “تأمر بذلك”. وتؤكد نفس المصادر أنه “من الملاحظ في سيرة عمله، تعدد نقله من مصلحة إلى أخرى، وتعدد الشكاوى والإحالة إلى المجلس التأديبي، لعدة أسباب ذكرت جميعها في المحاضر المفتوحة بحقه رسمياً، فهل لذلك بعد؟
الحقيقة تبقى رهناً بالتحقيق فقط، فليس بالضرورة أن تكون قضايا “المخالفات الوظيفية والتحرش” التي أشيعت ضد مارك كرم كذباً أو افتراءً، أو العكس، لكن ما يلفت المصادفة أن ملف كرم ظهر بالتزامن مع ملف الفساد الذي كشفه!.
النائب هاغوب ترزيان، الذي كشف ما على كرم من شكاوى، أكد لـ”نداء الوطن” أنه لم يأت على فتح هذا الملف مقابل ملف النفايات إطلاقاً، فهو غير معني بما يحدث في البلدية حالياً بما أنه لم يعد عضواً بلدياً. وأن “كل من يحاول الربط بين الملفين، يساعد على طمر حقوق هؤلاء المستضعفات اللواتي وصل عددهن إلى عشرين وهو رقم لا يقبل التشكيك” وأكمل “حين اتصلت بي إحدى الموظفات، وأرسلت لي شكواها، وجدت نفسي مضطراً لنشر مستندات المرسلة إلي من تلك الناجيات مع حذف أسمائهن إحتراماً لهن مطالباً محافظ بلدية بيروت الحالي القاضي عبود الذي كان رئيس هيئة التأديب العليا سابقاً، مراجعة الشكاوى والمبادرة فوراً إلى إحالة الموظف المذكور إلى دائرة التفتيش والسلطات المختصة ليصار، بعد إجراء التحقيق المثبت بالمستندات والشهود، إلى اتخاذ أقصى العقوبات وصولاً إلى طرده من وظيفته التي لا تليق بأشخاص غير مناقبيين وغير منضبطين، تاركاً للرأي العام الحكم والإطلاع على الموضوع. ومن الطبيعي أن يحاول المتهم الدفاع عن نفسه لكن القانوني والصحيح هو احالة الأمر الى التحقيق”.
أما في المستندات التي قدمها ترزيان فـ”صدر قرار رقم 1124/ب بتاريخ 28/5/2013 يتعلق بوقف المتعاقد رئيس الدائرة الإدارية في مصلحة المسالخ حينها السيد مارك كرم عن العمل بدون راتب لمدة شهر تأديبياً”. كما صدر “قرار رقم 117/ب تاريخ 22/1/2015 القاضي بإحالة رئيس الدائرة الإدارية في مصلحة المسلخ الموظف المتعاقد مارك كرم إلى الهيئة العليا للتأديب لحين صدور قرارها، وذلك بسبب المخالفات الوظيفية والتغيب المتكرر عن العمل والزام مرؤوسيه بالتوقيع عنه على سجل الدوام والتوقيع على بطاقات الخروج لنفسه ولمرؤوسيه من دون تاريخ لاستعمالها عند حضور التفتيش والإمتناع عن تسجيل رأس الغنم المتلف في الجداول الأسبوعية والشهرية لحركة المواشي بالرغم من وجود التقرير البيطري”.
الوثيقة الثالثة
بعدها صدر قرار الهيئة العليا للتأديب رقم 10/2016 تاريخ 24/11/2016 القاضي بإنزال عقوبة التوقيف عن العمل بدون راتب لمدة ستة أشهر وصدر قرار محافظ بيروت رقم 2505/ب تاريخ 25/08/2017، “المتعلق بتوقيف موظف متعاقد عن العمل لمدة 6 أشهر من دون راتب إعتباراً من 26/1/2015”. وبحسبه “بقي أكثر من سنة ونصف لم يسمح له بالمجيء للعمل، الى أن تم نقله في أواخر العام 2017 الى مركز عمله الجديد مصلحة النظافة دائرة الإدارة حيث تتالت شكاوى الموظفات بحقه”.
من جهته ينفي مارك كرم لـ”نداء الوطن” كل الإتهامات المذكورة بحقه التي تتناوله كمتحرش ويعتبر أنه يتعرض “لاغتيال معنوي وحرب تتناول صيته الشخصي أشد وطأة واكثر فداحة من الحرب الحقيقية المادية” ويتابع “أليس التوقيت مريباً على الأقل؟ ولمَ محاربتي بشكل شخصي وليس الإلتفات إلى ملف الهدر؟”.