كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:
في خطوة مريبة وتشكّل ضربة من ضروب الإساءة للجامعة اللبنانية، أعلنت إدارة الجامعة عن اشتراطها على الطلّاب الراغبين بالتسجيل فيها التعهّد بـ”احترام سمعة الجامعة ومسؤوليها وأساتذتها، وعدم ارتكاب أي تجاوز تجاههم على شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر أي وسيلة من وسائل النشر المرئية أو المقروءة أو المسموعة أو المعلوماتية”. وطلبت من الطلاب وفي حال وجود شكوى إرسالها عبر البريد الإلكتروني. وفي حين اعتبرت الباحثة في منظمة العفو الدولية، سحر مندور، القرار استنساخاً لممارسة الأجهزة الأمنية الخارجة عن القانون، والتي تفرض تعهدات الصمت على الناشطين، يرفض رئيس الجامعة البروفيسور فؤاد أيوب، في اتصال مع “نداء الوطن” تفسير الأمر على هذا النحو، معتبراً أن لا علاقة للقرار بالقمع.
وتنذر الخطوة، التي يظهر بأنها ستسلب الطلاب أحد أهم حقوقهم، بالاتجاه نحو مزيد من القمع للطلاب الذين قد يعترضون على المشاكل الموجودة في الجامعة، خصوصاً أن وضع الجامعة سيزداد صعوبة، وهو ما تدركه جيّداً رئاستها. إذ يتوقع أيوب ازدياد عدد الطلاب بين 5 و6 آلاف طالب عن اي سنة سابقة. وفي حين بدأ طلاب يعدون للاعتراض على القرار، يرفض رئيس الجامعة القول إنّ التعهد سيعرض كل من ينتقدها وأساتذتها لعقوبة، وإنما فقط من يشتم، داعياً للنظر بإيجابية إلى القرار، “فهو تأطير للطلاب القادمين إلى الجامعة”. ولدى سؤاله عن الحاجة إلى قرار كهذا في وقت يلحظ فيه النظام الداخلي فقرة حول تأديب الطلاب، يجيب أيوب “نداء الوطن” بأن “القرار موجه للذين لم يقرأوا النظام العام”.
ويروي أيوب أنه وبعد الحملة التي حصلت من قبل بعض الطلاب رفضاً لإجراء الإمتحانات التي سموها “امتحانات الموت”، وبسبب تفوه البعض بكلام بذيء، ارتأى مجلس العمداء وضع صياغة أشبه باتفاق، مؤكّداً متابعة الجامعة لأي شكوى جدية تصلها من الطلاب على البريد الإلكتروني الخاص بالشكاوى.
وفي اتصال مع “نداء الوطن”، تشبّه الباحثة المختصّة في الشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية، سحر مندور، الشرط المفروض للانتساب إلى الجامعة اللبنانية التي هي قطاع عام، بروحيّته، بـ”الممارسة التي وثقتها منظمة العفو قبل ثورة تشرين وبعدها، واستهدفت الناشطين النقديين تجاه الدولة والحكومة”. وتابعت “حصل الاستهداف على طريقتين، يبدو أن الجامعة تستنسخهما تجاه طلابها وهو أمر خطير. الأولى تمثلت بتعهدات الصمت غير القانونية التي تفرض على أصحاب الحقوق التنازل عنها مسبقاً. والثانية استخدام التعابير الفضفاضة، مثل “سمعة الجامعة” و”تجاوز”، من أجل تجريم أي قول نقدي. بالتالي يتيح استخدام أي تعبير يضمنه الحق بحرية التعبير، معاقبة أي طالب/ة لأسباب ذات صلة بالاختلاف بالرأي، واسكات النقد أو الاقتصاص منه/ها لأغراض غير تربوية”.
وتؤكد مندور أن القرار يشكل مخالفة للقوانين اللبنانية والدولية، “فإدارة الجامعة تطلب من الطلّاب وأثناء الانتساب إليها التّنازل عن حق التعبير والتجمع. وهي تستنسخ تعهدات لا يعترف فيها بالمحكمة، ويبدو أن الغاية منها ترهيب الطلّاب تفادياً لأي نقد مستقبلي، في ظل انهيار اقتصادي وانفجار أمني وعجز عن الوصول لأي من الحقوق الأساسية”. وترى أنه وفي ظرف كهذا تسمو حرية التعبير ويصبح الحفاظ عليها مع حرية التجمع مدخلاً للحفاظ على كافة الحقوق الأخرى. “فمنع الانسان من التعبير عن أي انتهاك، يرعى استمرارية الانتهاك ويضمن حصانة للمنتهكين”.
ولا تقتصر تداعيات القرار على كم أفواه الطلاب خلال سنوات الدراسة، فالقرار كما تفسره مندور، يبلّغ الطالب بشروط العيش في لبنان قبل انتقاله من موقع القاصر إلى موقع البالغ.
وتذكّر الباحثة بالقوانين الدولية الواضحة التي التزم بها لبنان، والتي تذكّر بالحالات التي يعتبر فيها القول تجاوزاً، ويكون قصاصه مدنياً، من بينها التشهير الذي تحدد شروطه والأذى والحض على العنف… وترى بأن حماية حقِّ التعبير يستلزم من الرئاسات والسلطات في الدولة وفي الجامعة اللبنانية، الالتزام بحد أعلى من التحمّل للشتيمة والإهانة لا النّقد فقط، “لأنهم في مواقع المسؤولية العامة، ويشغلون مناصب يدفع راتبها المجتمع ويتلقى وطأته”.
ونظراً لعدم قانونية القرار، وفق مندور، فإنه غير صالح للاستخدام لمعاقبة الطلاب، “ومن الغريب غياب الوضوح حتى في آلية المحاسبة التي تعتزم إدارة الجامعة انتهاجها في حال عدم الالتزام بهذا التعهد”.