IMLebanon

أديب متمسك بحكومة إنقاذ مصغرة تُلبّي طموحات اللبنانيين

كتب معروف الداعوق في “اللواء”: 

ما يتسرب من معلومات شحيحة عن مسار المشاورات والاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة العتيدة، يلاحظ بوضوح ان هناك محاولات دؤوبة من أكثر من طرف سياسي لإعادة استنساخ أساليب تشكيل الحكومات السابقة بقوالب مستحدثة وملتوية لاعتمادها في التركيبة الحكومية المرتقبة تحت تسمية الوزراء الاختصاصيين أو التقنيين، لإعاد ضمان حصته الوزارية التقليدية في الوزارات الوازنة ولو بشكل غير مباشر نظرياً لتجنب مساءلة الرأي العام، وكأن الظروف التي يمر بها لبنان طبيعية والنقمة الشعبية المتصاعدة على هذا النوع من الحكومات الفاشلة ليست موجودة وحالة التردي والانهيار الناجمة عن التفجير الكارثي في مرفأ بيروت، لا تستوجب إعادة النظر بهكذا حكومات واستبدالها بحكومة نوعية، تُلبّي تطلعات المواطنين وتعمل على القيام بالمهمات الجسام الملقاة على عاتقها بنمطٍ مختلف عمّا كانت تقوم به الحكومات السابقة.

وبدلاً من أن يلتزم هؤلاء الأطراف السياسيون بوعودهم، لتسريع وتسهيل خطى تشكيل الحكومة الجديدة،لوحظ بوضوح أن مسار عملية التشكيل تباطأ جزئياً، بفعل ما تردّد وقيل بأن رئيس الجمهورية ميشال عون طرح تصورات مغايرة لتصورات رئيس الحكومة المكلف لشكل وتركيبة الحكومة العتيدة، مطالباً بأن تكون حكومة موسعة من 24 وزيراً ومكونة من سياسيين واختصاصيين، مقابل التصور الذي حمله الأخير ويتضمن تشكيل حكومة اختصاصيين مصغرة من 14 وزيراً، تعمل كفريق عمل متجانس وبفاعلية أكبر، تفادياً لتكرار تجارب الحكومات الموسعة السابقة والتي لم تؤدِّ الغاية المرجوة منها ولم تنجح في مهماتها على أكثر من صعيد.

وإزاء هذا التضارب في وجهات النظر وتصوّر كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، حاول الأوّل إقناع الثاني بالتواصل المباشر مع صهره النائب جبران باسيل للتشاور معه والتفاهم حول الصيغة التوافقية المطلوبة لعملية التشكيل كما كان يفعل باستمرار في مثل هذه المسائل سابقاً، الا ان رئيس الحكومة المكلف كما تردّد نقلاً عن بعض السياسيين، فضل ان يبت موضوع تشكيل الحكومة العتيدة بالتشاور مع رئيس الجمهورية حصراً استناداً إلى الدستور.

محاولات من أكثر من طرف سياسي لإعادة استنساخ أساليب تشكيل الحكومات السابقة بقوالب مستحدثة وملتوية

لم يقتصر التباين حول عملية التشكيل على شكل الحكومة وتركيبتها، بل يبدو استناداً إلى المعلومات المتداولة ان رئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل يتمسك باسناد حقيبة الطاقة إلى شخصية يسميها باعتبار ان هذه الوزارة هي من حصة التيار ولا يتطلب الأمر اسنادها إلى أي شخصية لا تمت بصلة إلى التيار بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنه يعتبر ان تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب يجب ان يكون كل الأطراف وليس على طرف واحد، بعدما تردّد أيضاً بقاء بعض الوزارات في عهدة أحزاب وتيارات معينة، كحقيبة وزارة المال مثلاً ضمن حصة حركة أمل.

هذه الوقائع تُشير الى ان عملية تشكيل الحكومة الجديدة، دخلت عملياً في مسار اختبار مدى قدرة «التيار العوني» على الاستئثار بأكبر حصة وزانة بالحقائب والمقاعد معاً، كما كانت الحال في تأليف الحكومات السابقة، لإبقاء سيطرته على قراراتها والتحكم بتوجهاتها السياسية داخلياً وخارجياً، في حين ان ظروف تشكيل الحكومة الحالية محلياً وخارجياً تختلف عن ظروف تشكيل باقي الحكومات السابقة وتحديداً الحكومة المستقيلة والتي كان للتيار اليد الطولى في تسمية رئيسها والعديد من أعضائها والاستئثار بقراراتها ونهجها السياسي كما هو معلوم بالتكافل والتضامن مع حزب الله حصراً.

بينما الحكومة المرتقب تأليفها تختلف كلياً، بشخصية رئيسها والقوى السياسية الداعمة لها، وبالتالي لن يكون سهلاً على رئيس الجمهورية وصهره إعتماد أساليب العرقلة والتعطيل السابقة للحصول على ما يطمحون إليه من محاصصة وحقائب وزارية تتجاوز التوازنات السياسية القائمة.

ولذلك فإن عامل الوقت المطلوب لإنجاز عملية تشكيل الحكومة العتيدة هذه المرة ليس مفتوحاً إلى وقت غير محدد كما كان يحصل سابقاً، بل محدد سلفاً كما أعلنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأسبوعين على لكثر، وبالتالي فإن مجال المناورة محدود وأساليب التعطيل والابتزاز المعهودة تصطدم بإصرار الرئيس المكلف على إنجاز تشكيلة حكومية تحاكي الواقع القائم وتلبي مطالب المواطنين وتستطيع القيام بالمهمات المطلوبة منها مستنداً إلى المبادرة الفرنسية التي تعهد كل الأطراف السياسيين بدعم تنفيذها والالتزام بها.

وانطلاقاً من هذه الوقائع، فإن عملية تشكيل الحكومة الجديدة ما زالت ضمن المهلة المحددة سابقاً ولم تتجاوزها بالرغم من كل ما يقال عن وجهات نظر مختلفة أو تباينات في الطروحات القائمة بالنسبة لشكل أو تركيبة الحكومة العتيدة، فمن يعلِّل عمداً لمطلب أو محاصصة ما أو تمسكاً بوزارة معينة سينكشف أمره عاجلاً أم آجلاً والأهم من كل ذلك، من سيتنصل من وعوده والتزاماته التي قطعها أمام الرئيس الفرنسي وأمام اللبنانيين بتسهيل وتسريع تأليف الحكومة الجديدة، هل باستطاعته تحمّل هذا العبء الثقيل والمدمر؟