في وقت أعطت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إشارة إلى أنه لم يعُد هناك من مجال لتضييع الوقت، وأن رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب سيكون والقوى السياسية التي سمّته مُجبرين على استيلاد حكومة خلال اسبوعين (المهلة التي حددها ماكرون لعملية التشكيل)، يبرُز أكثر مِن مؤشر على أن حالة الجمود هي التي تحكُم المشهد الحكومي، وليسَ معروفاً من سيخرقه وكيف. فقد أكدت مصادر متابعة أن سببين أساسيين يقفان خلف حالة الجمود، أولهما التباين المنهجي بين رئيس الحكومة وغالبية الأفرقاء السياسيين الذين سمّوه. فأديب مُصرّ على تشكيل حكومة تكنوقراط من 14 وزيراً، يُسمّي فيها الوزراء ويوّزع الحقائب على القوى السياسية كما يُريد، فيما القوى السياسية، وتحديداً فريق 8 آذار والتيار الوطني الحرّ، يفُضلان حكومة تكنو – سياسية أو حكومة سياسية من 20 وزيراً أقله، إنطلاقاً من أن الحالة الإستثنائية في البلاد تفرض وجود حكومة سياسية لما ينتظرها من ملفات أساسية جزء كبير منها له طابع سياسي.
كما يرفض هذا الفريق عدد الـ 14 وزيراً، لكون التجربة السابقة في حكومة الرئيس حسان دياب أثبتت بأن الوزير الواحد ليسَ في مقدوره العمل بوزارتين وحقيبتين، إذ أن توزيع طاقته على الوزارات سيُضعف من إنتاجيته. ويُضاف إلى ذلك، إصراره على المداورة في الوزارات، وهذا ما يُشكل عقدة أساسية بالنسبة إلى الثنائي الذي يرفض حتى الآن أن تٌُعطى وزارة المالية لوزير غير شيعي «مع التأكيد أن لا مشكلة في أن يُصار الإتفاق على الإسم مع الرئيس المكلف». أما السبب الثاني، الذي تتحدث عنه المصادر، وهو «الأهم»، فيتمثّل في ضعف الإتصالات بين أديب والمكونات السياسية، فالرئيس المكلف لم يجتمع منذ تكليفه مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل والنائب علي حسن خليل سوى مرة واحدة. أما الغريب فهو أن أديب، بحسب المصادر، يرفض الجلوس مع رئيس تكتّل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، علماً أن رئيس الجمهورية نصحه أكثر من مرة بالتواصل معه، لكنه يتجاهل ذلك، وهو ما أثار استياء باسيل الذي وصلَ إلى حدّ القول بأنه «لن يُشارك في الحكومة ولن يُعطيها الثقة». كما جرى تداول معلومات حولَ أن أديب لم يلتق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري!
في هذا الإطار، تشير المصادر إلى بروز أزمة بين القوى السياسية والرئيس المكلف، مسغربة ذلك «كما لو أن الرئيس المكلف هو من سمّى نفسه»، ومتسائلة: «كيف يرفض التواصل مع المكونات السياسية من أجل تنسيق عملية التشكيل فيما هي من كلفّته، وهو بحاجة الى نيل ثقتها في المجلس النيابي». أديب الذي التقى أمس رئيس الجمهورية ميشال عون حمَل معه تصوراً عاماً أساسه حكومة مصغرة من 14 وزيراً، واعتماد مبدأ المداورة، بينما أكد له عون ضرورة «عدم تكبيل نفسه بهكذا تشكيلة»، فيما علّق أديب على الإجتماع بالقول «نحن في مرحلة التشاور، وانشالله خير».
من جهة أخرى، قال متابعون لملف التشكيل إن «أديب يسير وفقَ توجيهات رؤساء الحكومات السابقين، تحديداً الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، اللذين يطلبان معه عدم الإجتماع بالقوى السياسية، وتحديداً باسيل». ويؤكد هؤلاء للرئيس المكلف أن «حقه الدستوري هو تشكيل الحكومة التي يراها مناسبة بالعدد والأسماء وحده ومن دون التشاور مع أحد، ومن ثم يحمِلها الى رئيس الجمهورية على أن يناقش الأخير ببعض الأسماء وبشكل محدود»!