كتب نذير رضا في صحيفة “الشرق الاوسط”:
حملت العقوبات الأميركية، التي استهدفت المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، النائب علي حسن خليل، ومستشار رئيس «تيار المردة» الوزير الأسبق يوسف فنيانوس، رسالتين أميركيتين باتجاه الداخل اللبناني، ترتبط الأولى بمباحثات تشكيل الحكومة اللبنانية، والثانية بالجهود المبذولة على خط الوساطة الأميركية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل.
وتلتقي «حركة أمل» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، مع «تيار المردة» التي يترأسه النائب السابق سليمان فرنجية، على أن إدراج خليل وفنيانوس اللذين ينتميان للفريقين «هو استهداف سياسي»، وذلك في رد على واشنطن التي قالت إن الوزيرين السابقين «فاسدان، استغلا موقعيهما لتقديم دعم مادّي إلى (حزب الله)».
ويكتسب إدراج خليل وفنيانوس رمزية سياسية في هذا الوقت، بالنظر إلى أن «حركة أمل» تتمسك بأن يكون وزير المالية شيعياً، بمعزل عن هويته السياسية، لضمان توقيع وزير المال، إلى جانب توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على القرارات الحكومية التي تتطلب إنفاقاً مادياً. كما يأتي في ظل تولي بري مهمة التفاوض مع الولايات المتحدة في وساطتها بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
وعبّرت «حركة أمل» عن الرسالتين، في بيان بعد اجتماع هيئة الرئاسة، قالت فيه إن «الرسالة وصلت»، معتبرة أن «هذا القرار لن يغير من قناعاتنا ومن ثوابتنا الوطنية والقومية على الإطلاق»، كما قالت إن «إن حدودنا وحقوقنا السيادية في البحر والبر نريدها كاملة، ولن نتنازل أو نساوم عليها مهما بلغت العقوبات والضغوطات ومن أي جهة أتت».
وأضافت الحركة: «كشفاً للحقيقة، فإن اتفاق السير بترسيم الحدود البحرية في الجنوب اللبناني اكتمل مع الولايات المتحدة، ووافقت عليه بتاريخ 9-7-2020 وحتى الآن ترفض توقيت إعلانه دون أي مبرر».
وأعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، أمس، أنّ المحادثات التي تجري بوساطة واشنطن لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تحرز «تقدّماً تدريجياً»، مبدياً أمله بتوقيع اتفاق إطار في غضون أسابيع، يتيح للبنان وإسرائيل البدء في مفاوضات لحلّ هذا النزاع.
وتحدثت «أمل» عن ارتباط توقيت العقوبات بمباحثات تشكيل الحكومة، إذ قالت إن «قرار وزارة الخزانة الأميركية جاء في توقيت كان فيه اللبنانيون بغالبية قواهم السياسية والبرلمانية قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى حكومة جامعة يُعوّل عليها أن تعمل على إخراج لبنان من أزماته»، متسائلة: «هل هذا القرار للقول لنا إن الذي يدفعنا هو (أحرف الجر)؟» وأضافت: «مخطئ من يعتقد ذلك».
وترى «أمل» أن واشنطن تريد من فرض العقوبات جرّ الحركة إلى التنازل عند بعض المطالب في المباحثات الحكومية، وخصوصاً المطالبة الشيعية بوزارة المال، وهو ما أشارت إليه في بيانها، من غير الخوض في التفاصيل، وتُقرأ فيه «مخاوف من أن يكون القرار الأميركي هو عرقلة لجهود تسهيل ولادة الحكومة»، بحسب ما قالت مصادر سياسية مطلعة على موقف «أمل».
ورأت الحركة أن استهداف خليل «ليس استهدافاً لشخص شغل لفترة زمنية محددة موقعاً وزارياً، إنما هو في الحقيقة استهداف للبنان ولسيادته وللخط وللتنظيم السياسي الذي ينتمي إليه، خط حركة أمل، خط الدفاع عن لبنان وعن وحدته وطناً نهائياً لجميع أبنائه، وعن عروبته وعن حقنا في الدفاع عن ثوابتنا وحقوقنا وحدودنا». وتوجهت إلى واشنطن بالقول: «أنتم مخطئون في العنوان وفي الزمان وفي المكان»، واستطردت: «لكن وصلت الرسالة».
المضمون السياسي نفسه تحدث به النائب السابق سليمان فرنجية الذي رأى أن «القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق الوزير يوسف فنيانوس هو قرار اقتصاص لموقفه وقناعاته وموقعه». وقال فرنجية في بيان: «نحن كمردة لم ولن نخجل يوماً بمواقفنا، بل نفتخر ونجاهر بها من منطلق إيماننا بأرضنا وسيادتنا وهويتنا. وعليه، نعتبر القرار قراراً سياسياً، ما يزيدنا تمسكاً بنهجنا وخطّنا».
وصرح مسؤول أميركي كبير للصحافيين أنّ هذه العقوبات «ينبغي أن تكون تحذيراً. الولايات المتحدة لن تتردد في معاقبة أي شخص أو كيان يدعم الأنشطة الإرهابية غير المشروعة لـ(حزب الله) أو يجعلها ممكنة».
وأضاف أنّ «المسؤولين اللبنانيين الذين قدّموا إلى (حزب الله) شرعية سياسية مزعومة أو استغلّوا مواقعهم لتحويل أموال عامة إلى المجموعة الإرهابية هم مسؤولون عن أفعالهم».
ويشير السفير اللبناني الأسبق في واشنطن الدكتور رياض طبارة إلى أن الحراك الفرنسي والأميركي باتجاه تشكيل الحكومة «يظهر على أنه جدي لمنع انهيار لبنان»، لافتاً إلى أن «الأميركيين يساندون الفرنسيين بالعقوبات التي فرضوها». ويوضح طبارة أن توقيت العقوبات جاء في منتصف مهلة الأسبوعين التي أعطاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنانيين لتأليف الحكومة، ما يعني أنها «تحمل رسالة شديدة اللهجة للقادة السياسيين اللبنانيين»، لافتاً إلى أن «توجيهها إلى قادة الصف الثاني في الفريقين المستهدفين بالعقوبات يُراد منها توجيه الرسالة لقادة الصف الأول» من غير أن ينفي أن تكون العقوبات على خليل «رسالة لحثّ بري على عدم التمسك بحقيبة المالية».
ويتوقف طبارة عند سبب آخر متعلق «بالضغط لترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل، ومنع انهيار لبنان الذي يؤدي إلى توترات أمنية تنعش (داعش)، وتهدد أمن إسرائيل على الحدود الجنوبية اللبنانية، وتضرب كل الجهود المبذولة من قبل واشنطن لذلك».
ويرى طبارة أن «كل المجموعات القريبة من (حزب الله) مستهدفة بالعقوبات، وتأتي تدريجياً»، من «التيار الوطني الحر، إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحلفاء آخرين في طوائف أخرى».