كتب مايز عبيد في صحيفة “نداء الوطن”:
فيحاء العلم وزهر الليمون هي اليوم فيحاء الفقر والإهمال والضياع. مأساة الهاربين من ميناء طرابلس عبر البحر إلى أوروبا، والذين أعادتهم السلطات القبرصية، ومأساة “كورونا” أيضاً، قضيّتان احتلّتا المشهد الإعلامي في طرابلس. فالمُبعدون من جنان أوروبا إلى جحيم لبنان، وصلوا وحُجروا في الشوف. فما هي حكاية هؤلاء؟ وما الذي حصل معهم بالتفصيل؟
القصّة كما يرويها عماد طرطوسي وخالد دعبول، وهما من الميناء وكانا على متن القارب الذي أقلّ يوم الجمعة الماضي 33 شخصاً من بينهم 3 سوريين، أن الشبّان، (وهم 5 عائلات وعدد من الشبّان العازبين)، من مدينة الميناء في طرابلس، وقد ضاقوا ذرعاً بالأوضاع وقرّروا الهجرة إلى إيطاليا تحديداً. ولأنّهم من بين الذين قدّموا طلبات الهجرة الشرعية ولم تأتهم الموافقة، قرّروا أن يهاجروا بأيّ شكل، وقد هاجر صديقهم إلى ايطاليا قبل مدّة قصيرة بالطريقة نفسها، الأمر الذي شجّعهم على سلوك هذا الطريق.
ويقول طرطوسي: “إنطلقنا من ميناء طرابلس يوم الجمعة، وفي اليوم الثاني واجهتنا عاصفة هوجاء فاتّجهنا إلى أقرب نقطة إلينا وهي ليماسول. تحدّثنا عبر الجهاز مع السلطات القبرصية لكي يُنقذونا ونلجأ إليهم لبعض الوقت حتّى تهدأ العاصفة، وكان معنا شابّ وضعه حرج بسبب تلك العاصفة. لكن السلطات القبرصية رفضت مساعدتنا. وأكثر من ذلك، لقد اعترضوا طريقنا بطرّاد حربي وبارجة حتّى يمنعونا من الدخول، وحاولوا إغراقنا أكثر من مرّة.. بقينا على هذه الحال حتى نهار الأحد، ثمّ اتّصلنا بأصدقاء لنا في فرنسا وألمانيا، فاتّصلوا بدورهم بمنظّمة الصليب الأحمر الدولي التي أنقذتنا بدورها”.
ويضيف: “الصليب الأحمر استقبلنا، فجاء القبارصة عندها على أساس أنهم انسانيون وأرادوا تخليصنا. وكان مع الصليب الأحمر مترجم أخبرنا أنّنا سنتّجه بالعبّارة وقال “إرتاحوا الآن سنأخذكم إلى لارنكا لتبصموا على اتفاقية شنغن الخاصة بأمور اللجوء. وبالفعل، نمنا بعض الوقت، وعند استيقاظنا وجدنا أنفسنا بعيدين 40 ميلاً عن الحدود القبرصية، فجُنّ جنوننا لأنّهم أخلّوا بالإتفاقية. وهكذا، أعادونا إلى لبنان حيث سلّمونا إلى الجيش اللبناني الذي بدوره سلّمنا إلى الأمن العام، فأجرى لنا فحوصات PCR والآن نحن نخضع للحجر في الشوف”.
أما دعبول، وهو شاب يحمل إجازة في إدارة الأعمال فيقول: “ليس هناك أمل في لبنان، وكلّ الطبقة الوسطى قرّرت أن تهاجر فما بالك بالفقراء! استغرق تحضير القارب معنا حوالى الشهر، من تجهيزات وعناصر الأمان والخرائط وغيرها. نحن أبناء ميناء، ونعرف بالبحر وطريقة تحضير”اللانش”. كلّفنا الأمر 28 ألف دولار، منها 22 ألفاً ثمن القارب فقط. هناك من باع أثاث بيته، وهناك من باع الذهب والسيارات حتى استطعنا تأمين المبلغ”. ويشير دعبول إلى “اتّفاق جماعة القارب في ما بينهم على عدم الخروج من الحجر إلّا إلى الهجرة”.
“كورونا” طرابلس
وعلى مقلب “كورونا”، وبينما ارتفعت الإصابات وسجّل العدّاد 50 حالة جديدة في قضاء طرابلس، لفتت أمس المعلومات التي أدلى بها عضو بلدية طرابلس رئيس لجنة إدارة الكوارث فيها جميل جبلاوي واعلانه “أنّ عدد المصابين في قضاء طرابلس بلغ 39 ألفاً، وإذا احتسب المخالطون تكون النتيجة عشرات الآلاف، وتكون طرابلس قد دخلت مرحلة الوباء الإجتماعي”. وفي الوقت الذي يسجّل فيه عدم التزام كبير بإجراءات الوقاية من كمّامات وتباعد اجتماعي وغيرها في طرابلس، إلا أنّ مصادر طبّية طرابلسية، على إطّلاع وتماس بموضوع “كورونا”، شكّكت بهذه الأرقام واعتبرت انّه “مبالغ فيها كثيراً ولا ندري ما السبب”.
من جهته، رفض رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق في اتصال مع “نداء الوطن” التعليق أو التأكيد على الأرقام التي أوردها جبلاوي، طالباً الاتصال به واستيضاحه، ولدى الاتصال به مرّات عدّة لم يجب. واعتبر يمق أنّ “طرابلس بحاجة إلى استراتيجية كاملة متكاملة للخروج من وباء “كورونا”وانتقد تقصير الدولة “إذ لا يُمكن فرض الإقفال من دون وجود خطة إقتصادية شاملة تأخذ في الإعتبار التعويض على الناس والتجّار وأصحاب المؤسسات خلال فترة الإقفال والحجر، ومدينة مثل طرابلس بحاجة إلى مئات آلاف الكمّامات يومياً”.
ولفت الى أنّ “المسؤولين عن الملفّ الصحّي في طرابلس “يحاولون الإيحاء بأنّ الأمور تسير كما يجب لكن ذلك منافٍ للحقيقة، فحتى الفحوصات التي تجرى لعيّنات من أبناء المدينة صارت تأتينا بالقطّارة”.