كتب طوني فرنسيس في صحيفة “نداء الوطن”:
لم يَغِبْ لبنان وحده عن البيان الإيراني- التركي الصادر عن اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي الذي يضمّ البلدين، بل غاب العراق ايضاً… والأبرز، كان غياب اللازمة التقليدية عن محاربة الإرهاب الذي يمارسه “داعش” في العراق وسوريا، ويظهر ويختفي في لبنان، غبَّ الطلب.
الإجتماع الذي عُقد بالفيديو وترأسه حسن روحاني ورجب طيّب اردوغان، وهو الأول من نوعه ينعقد منذ عامين، كان حريصاً على تأكيد عدوانية الطرفين ضدّ الأكراد. وهذه النقطة كانت الأبرز والأكثر وضوحاً في البيان المشترك الصادر عنه.
فقد شدّد البلدان، بحسب البيان، على “اتّخاذ خطوات مُنسّقة ضدّ حزب العمّال الكردستاني (بي كا كا) و”بيجاك” ( امتداده الإيراني )… بما في ذلك العمليات العسكرية المشتركة، ضدّ العناصر الإرهابية التي تنشط على الحدود بين الجانبين”. وترجمة هذا النصّ بالملموس تعني أنّ ايران وتركيا اتفقتا على مواصلة انتهاك حدود العراق من الشرق والغرب، والإعتداء على مواطنيه الأكراد من دون أي احترام لسيادة الدولة العراقية التي تزعم ايران انّها حليفها وسندها ومنقذتها. وفي الواقع، لم تتوقّف الإعتداءات التركية على العراق طوال السنوات الماضية، وغالباً ما تمارس ايران السياسة نفسها على حدود كردستان العراق الشرقية، تارةً باسم ملاحقة مهرّبين، وطوراً بحجّة مطاردة إرهابيين. ومع الإتّفاق التركي ـ الإيراني المُعلن هذا، سيتوجّب على الحكومة العراقية الجديدة مواجهة تعقيدات أكبر في العلاقة مع جارين يزعمان دوماً انّهما أصدقاء حرّرا العراق من إرهاب “داعش”!
الا أنّ المذكور غاب قصداً وليس سهواً. فالتنظيم الإرهابي أسهم الطرفان في صناعته. تركيا كانت الى حدّ بعيد معبره وخطّه الخلفي، وإيران رعت قيادات فيه، وجعلته في ختام عهد حكومة نوري المالكي دولةً في الموصل والجوار، والآن نسيه الجانبان.
حتّى في الفقرة المتعلّقة بسوريا، لا ذِكر للإرهاب أو لمنظّماته. بدت ايران راضية باقتطاع تركيا منطقة ادلب، وأوحت تركيا برضاها على الدور الإيراني من دون الخوض في أي تفصيل، بما في ذلك ذكر روسيا حليفتهما في مشروع البلد المنكوب!
الحليفان المشهوران بمزايداتهما الفلسطينية، ظهرا اكثر ديبلوماسية من مبعوث خاص للأمم المتّحدة. فإيران التي لا تقبل بأقلّ من تحرير كل فلسطين، وتركيا الفاتح اردوغان اكتفيا من نضالهما بالتشديد على “الحاجة الى تأسيس دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة وعاصمتها القدس، في إطار حلّ عادل ودائم وشامل للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
هكذا إذاً!
امّا لبنان، والكارثة التي أصابته، فقد غاب كلّياً عن اهتمام البلدين “الشقيقين”، وكنا لنعتبر ذلك بادرة خير وتقوى، لو أنّ هذا الغياب لا يحمل رغبة الطرفين في العمل، كلٌ لحسابه، في ساحةٍ يعتقدان انّها متاحة للجميع.