كتبت جنى جبّور في صحيفة “نداء الوطن”:
إئتلفت كل المصائب والأزمات، من انهيار العملة، مروراً بجائحة كورونا، وصولاً إلى انفجار 4 آب، لتضرب واحداً من القطاعات الحيوية، التي تشبه المدينة وليلها، ولبنان وانفتاحه، وفصول الفرح والمرح والأوقات الهانئة. ومع ذلك هناك من يُضرب ويقع وينهض ويحاول أن يعيش!
تعهدنا بالتشدد في تطبيق الإجراءات بحذافيرها وطلبنا من وزارتي الداخلية والسياحة أن تضربا بيد من حديد، لم تتوقف بيروت يوماً عن الرقص والاحتفال حتّى في أحلك الظروف. فخلال الحرب اللبنانية وزمن الاغتيالات… صمدت. وعلى وقع الاضطرابات السياسية والاجتماعية والثورة… رقصت. وبعد انفجار المرفأ… قررت أن تقف من جديد. ومن يتجول في الجميزة ومار مخايل، يتأكد أننا شعب يعشق الصور الملونة التي تضج بالحياة، فوسط الدمار الهائل، يخرج صوت موسيقى خافت، من حانة ” Central Station”، قرر أصحابها عدم الاستسلام، وإعادة النبض الى مار مخايل والجميزة. مدير الحانة ايلي كريدي، يخبر أنّ “عملية الترميم ما زالت قائمة في المحل، ولكننا اصررنا على الانتهاء من ترميم الواجهة الاساسية التي تقع تحت نظر الزبائن. ولا يمكن التكلم حالياً عن حركة أو أجواء سهر، فلم يقصدنا بعد غير اصدقائنا. واذا استمر الوضع على حاله، بسبب كورونا وحال البلد، فلن يكون امامنا حلّ سوى اغلاق حاناتنا والجلوس في منازلنا من دون عمل. ولكن حتّى الساعة ما زلنا متمسكين بعملنا، وقررنا المثابرة والصمود”. بين مار مخايل والجميزة، يوجد نحو 100 حانة، تدمرت جميعها عقب انفجار الرابع من آب، وحتّى الساعة فتحت 3 حانات أبوابها فقط. واذا تمكنت حانة ” Central Station”، من لملمة بعض جراحها، فان مصير حانة “Pin n Hole” في مار مخايل غير محددة المصير، بعدما حصل صاحبها طوروس بولاديان على “Full package” عقب الانفجار، فخسر حانته ومنزله وسياراته. يقول طوروس: “لم يتضرر محلي… بل لم يعد عندي محل…راح كل شي من يديّ”. مضيفاً “اشكر الجمعيات على مساعدتي الا أنّ الاضرار لا تقتصر على الزجاج، فخسرت ديكور المحل وكلفته اكثر من 45 الف دولار، ناهيك عن البضاعة المخزنة التي احترق 80 في المئة منها. فكيف يمكن أن أبدأ من جديد؟ امكاناتي الحالية لا تسمح لي بالعودة الى العمل من الصفر”.
يأمل 80 في المئة من اصحاب الحانات التي تضررت في بيروت بالعودة الى العمل في مطلع الشهر المقبل. ولكن، هل تنجو الحياة الليلية في بيروت وفي كل لبنان هذه المرة، ولا سيما مع قرار تمديد التعبئة العامة لغاية 31/12/2020 على الرغم من تخفيف الإجراءات وتعديل منع الخروج والولوج إلى الشوارع والطرقات ليصبح ما بين الساعة الاولى بعد منتصف الليل ولغاية السادسة صباحاً من كل يوم؟ وما وضع الموسيقيين والفنانين وكل العاملين في هذا المجال؟ نبدأ جولتنا من ضبية، حيث نال “The village” نصيبه من محاضر الضبط يوم السبت الماضي، قبل أيام من “تعديل الإجراءات”، فأشار أحد العاملين الى تسطير قوى الامن الداخلي أكثر من 10 مخالفات بالنسبة للحانات الموجودة فيه. في جونيه، الوضع ليس افضل حالاً، بحسب رواية طارق الحاج بطرس صاحب حانة”Celtics”، حيث اقدم عناصر من قوى الامن الداخلي على اخراج الناس من حانته حتّى قبل ان تلامس عقارب الساعة العاشرة، مهددين طارق بتسطير ضبط مخالفة بقيمة 5 ملايين ليرة لبنانية. وعندما حاول الاستفسار عن سبب هذه المداهمة “المبكرة”، كانت الاجابة واضحة “من سمح لك بفتح ابوابك؟ أمامك 3 دقائق لاخراج الزبائن، وممنوع ان تفتح قبل صدور قرار خطي يسمح لك بذلك”. ويشير طارق الى أنه “سبق وأن طلب من نواب المنطقة النظر بوضع اصحاب حانات جونيه من دون اي نتيجة”، ورأى أنّ تعديل قرار التعبئة يفيد عمله وسيعيد النبض الى الحياة الليلية، وسيتمكن من فتح حانته من الساعة الرابعة بعد الظهر حتّى الساعة الاولى بعد منتصف الليل”.
Pin ‘N hole قبل الإنفجار
يبدو أن “الداخلية” تحسست حجم المعاناة ورغم ذلك فقد قرر بعض أصحاب الحانات الاستمرار بالتسكير، لانّ “كل فتحة باب، بتكلف مصاري من دون مردود”، بحسب روي جبور مدير حانة “Lappaz” في سوق جبيل الذي اشار الى أنّ “فكرة الاغلاق عند العاشرة “خربتلنا بيوتنا”… وحتّى مع تعديل الوقت ليصبح حتّى الواحدة صباحاً، ليس منصفاً في حقنا، فالزبائن تصل الى حانتنا عند العاشرة والنصف، ونحن ملزمون تسديد كل الفواتير وخفض صوت الموسيقى في منتصف الليل تقريباً أي “في عز السهرة”. أمّا “The Archive” في جبيل فسيكون على موعد جديد مع زبائنه بعد غياب طويل، وعدّل توقيته تماشياً مع القرار بحسب ماريو عبيد مدير المحل، الذي قال “بدل أن يفتتح الفنان ماريو حدشيتي الحفلة في منتصف الليل، سيبدأ عند الساعة العاشرة، وهذا لا يؤثر على عملنا كحانات، عكس اصحاب الملاهي الليلية الذين سيفتقدون الى زبائن الـ”After Party”، ولا سيما أنّ محبي السهر لم يعد أمامهم خيار سوى التوجه في الوقت نفسه الى الحانات والملاهي التي عادت الى العمل من جديد وفق شروط التعبئة العامة”.
اسهروا وجنّوا… وتباعدوا
شكاوى أصحاب الحانات والملاهي الليلية في مختلف المناطق اللبنانية، دفعتهم الى عقد اجتماع يوم السبت الماضي، لايجاد حل لمشكلة اقفال هذا القطاع وتداعياته، وتوجهوا بكتاب الى وزير الداخلية طالبين التعاون بين الدولة والقطاع المذكور لإعادة فتحه مع الأخذ بالإعتبار الإجراءات الوقائية كاملة أسوةً بسائر القطاعات الخدماتية والتجارية التي أعيد فتحها حديثاً. وطالبوا بتشغيل هذا القطاع من دون تحديد موعد إقفال مما يسهّل إستيعاب عدد أكبر من الزبائن في مختلف الأوقات من دون الإضطرار الى تخطي نسبة الـ 50 في المئة من قدرة الإستيعاب، وفي المقابل تعهدوا الإلتزام الكامل بالإجراءات الوقائية الضرورية بالتنسيق مع البلديات والقوى الأمنية. على الاثر، لم تتوقف مساعي نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي بعودة الحياة الى هذا القطاع وكشف أنه “بعد أن التزمت المطاعم بالقرار والاجراءات، عقدنا اجتماعاً مع لجنة كورونا وتعهدنا بالكشف على جميع المؤسسات، وعلى هذا الاساس تغيرت الامور. ونحن نسعى للعيش مع الكورونا، ما يحتم عودة العمل الى القطاعات شرط التزامها بالاجراءات اللازمة وأبرزها الحفاظ على التباعد الاجتماعي والتزام نسبة استيعاب لا تتخطى الـ50 في المئة فقط، حيث تعهدنا بالتشدد في تطبيق الإجراءات بحذافيرها وطلبنا من وزارتي الداخلية والسياحة أن تضربا بيد من حديد. كما تهدف هذه الخطوات إلى المحافظة على صحة كل المواطنين وسمعة القطاع وسلامة الموظفين وأي مؤسسة واحدة مخالفة ستكون سبب عودة القطاع برمته إلى المربع الأول والعودة إلى الإقفال التام”. وأضاف: “منذ الأسبوع الماضي وبناءً على اجتماعاتنا السابقة مع لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا، فوضت نقابة أصحاب المطاعم، بطلب من اللجنة، مفتشين من شركة خاصة للقيام بحملات تفتيش وتدقيق بشكل دوري ومنظم على المؤسسات على كل الأراضي اللبنانية للتأكد من تطبيق المعايير والإجراءات. وبدأوا منذ الأسبوع الماضي وضع العلامات ورفع التقارير إلى النقابة التي ترسلها بدورها إلى اللجنة على أن تتخذ الأخيرة التدابير اللازمة بحق كل مؤسسة (مخالفة)”. أمّا اذا كان قرار السماح بفتح الحانات والملاهي الليلية يرضي اصحابها فيعلق الرامي قائلاً: “لا خيار آخر امامنا حالياً، فان أردت ان تطاع اطلب المستطاع، وبعد أن نبرهن عن التزامنا بالقرار الجديد، يمكننا التكلم عن تمديد الوقت لاحقاً”.
المايسترو ايلي العليا الذي شارك في اجتماع السبت، أكد أنّ “السكوت عن تدمير هذا القطاع لم يكن امراً وارداً، ولو لم تلبّ مطالبنا كنا سنقوم بخطوات سريعة قد تنعكس في الشارع”. وكشف أنّ “قطاع المطاعم والنوادي الليلية والحانات، قطاع الموسيقي، مهندسي الصوت والاضاءة تعتاش منه أكثر من 400 الف عائلة”. وعن القرار الجديد لفت الى أنّه “غير كافٍ، لكنه جيد جدّاً كبداية، لان المعنيين فسروا لنا خطة عملهم للحد من انتشار كورونا، ما يبرر الاجراءات الصارمة المتخذة. والاهم في الموضوع ان نلتزم بالاجراءات لتحفيز الدولة على مساعدتنا اكثر وأكثر”، كاشفاً أنّ “أصداء التشاور بين اصحاب الملاهي والحانات الليلية ايجابية، ولا سيما بالنسبة للاشخاص الذين ما زالوا متضررين من هذا القرار لان سهرتهم تبدأ عند الثانية صباحاً، الّا أنهم قرروا تغيير نظام عملهم آنياً، تماشياً مع نوعية الحياة الجديدة التي فرضتها كورونا، على أمل التخلص من هذه الجائحة والعودة الى الحياة “الطبيعية”. يتشارك وليد المسيح الموزع الموسيقي، وصاحب ” Azul Lounge – Restaurant”في مونو، الرأي نفسه مع المايسترو ايلي العليا، ويؤكد أنه “لا يمكننا فتح أبوابنا حتّى الساعة العاشرة، فنحن نبدأ من الساعة الخامسة ” happy hour” ونستمر حتى الساعة الثانية ليلاً.
ولكن القرار الجديد ارضانا، بعكس جماعة الـ”After Party” التي تبدأ سهرتهم عند الساعة الواحدة، ولكني علمت أنّ حتّى هذه المحلات عدلت أوقات عملها تماشياً مع القرار الجديد، فملهى الـ”Taiga” مثلاً سيفتح أبوابه في تمام الساعة العاشرة والنصف، بعد أن كانت سهرته تبدأ بعد منتصف الليل”. وشكر المسيح مساعي الرامي، وأكد الالتزام بكل الاجراءات الوقائية”. يبيع اللحام اللحمة، الصيدلي الدواء… والموسيقي اللحن والفن! هذه هي مهنته التي يأكل ويشرب من خيرها، وتوقيفه عن العمل أو منع فتح مكان عمله، قرار ظالم غير مبرر اذا التزم بالخطوات الوقائية كسائر القطاعات. وكما غنت فيروز “الليل مش للنوم اصل الليل للسهر”، يهوى اللبنانيّ بطبعه الفرح والكيف والغناء، فيهرب من كل المصاعب عن طريق الرقص على موسيقى تحاكي الالم والحب والثورة… ويمكن القول إنّ الضغط لعب دوراً، و”النق” افاد ما ضرّ… والعودة عن خطأ اطفاء حياة لبنان الليلية… فضيلة.