كتبت غادة حلاوة في صحيفة “نداء الوطن”:
معولاً على وعد قطعه “حزب الله” للفرنسيين بتسهيل تشكيل الحكومة يتابع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب مساعيه. قد يعتبر ان مثل هذا الوعد سيجعل “حزب الله” يلعب دور التقريب في وجهات النظر حيال مسألة المداورة في الوزارات او تشكيل حكومة اختصاصيين وما الى هنالك. لغاية اليوم لا يجد أديب ان التأليف بالسهولة التي توقعها. يعمل الرجل وهاجسه عدم تكرار حكومة حسان دياب ثانية. بات بحكم المؤكد ان سوء فهم يسود علاقته بالقوى السياسية. قبل أيام كان يعتزم الثنائي الشيعي زيارته لكنه فضل زيارة بيت الوسط والتباحث مع الرئيس سعد الحريري مباشرة. المطلعون على اجواء أديب ينقلون ان سيبة الحكومة لم تركب بعد نتيجة وجود مشاكل وعقبات عدة من جملتها عقبة التمثيل السني!
ورغم ذلك أعد أديب إقتراحات أسماء وحقائب وشكل مسودة حكومة من 14 وزيراً سيحملها الى قصر بعبدا، للتباحث بشأنها مع رئيس الجمهورية ميشال عون الاثنين او الثلثاء ان لم يكن قبل ذلك. ومن غير المعروف ما اذا كانت هذه المسودة خضعت لموافقة الفرقاء الأساسيين المعنيين. متابعة مجريات الامور لا تشي بذلك، حيث أفادت مصادر الثنائي الشيعي أن لا مستجدات في الملف الحكومي، وان “حزب الله” ترك البت بموضوع وزارة المال للرئيس بري فاذا اراد المداورة فليكن وإذا رفض فموقفه سيكون مدعوماً حكماً. وسرت اخبار امس تقول ان أديب تريث في زيارة بعبدا بانتظار جواب الثنائي على هذه النقطة تحديداً، والتي تولى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بحثها مع المسؤولين الفرنسيين المعنيين بالملف اللبناني والحساسية اللبنانية حيالها. وبعد “سلسلة لقاءات اجراها لا سيما مع السفيرين برنار ايمييه وايمانويل بون تعلقت بمسار المبادرة الفرنسية من مختلف وجوهها بخاصة الشق المتعلق بتشكيل الحكومة”، حمل ابراهيم نتائج زيارته الى بعبدا ناقلاً وقوف الفرنسيين الى جانب لبنان ودعم جهود تشكيل الحكومة. مصادر بعبدا نفت ان يكون ابراهيم زار فرنسا بطلب من عون لكن من البديهي ووفقاً للقانون ان يضعه اللواء في اجواء زيارته، ولكن الخوف من ان يكون فشل المهمة جعل التنصل منها امراً مستحباً.
عملياً يمكن تلخيص المشهد الحكومي بالآتي: توقف زيارات الخليلين الى الرئيس المكلف، دعم “حزب الله” لحلفائه لا سيما بعد العقوبات الاميركية وتفويض أمر المشاورات الحكومية الى الرئيس بري، تمسك بري بحقيبة المال مدعوماً من “حزب الله”، اتجاه “التيار الوطني الحر” لتسهيل تشكيل الحكومة حتى ولو لم يشارك، متجاوزاً تعديلات مطلوبة كموضوع وزارة الطاقة، اما موضوع العقوبات ببعده السياسي فلا يحيد عن ثوابته.
وجهتا نظر تتقاذفان الموضوع الحكومي، الاولى تقول ان القوى السياسية بما فيها الثنائي الشيعي مجبرة على تسهيل مهمة أديب التزاماً بالوعد، وان العقوبات وحادثتي المرفأ ستسهل التأليف لحاجة الجميع الملحة للخروج من المأزق. اما الثانية فتعاكسها تماماً لتقول إن “حزب الله” تجاوز موضوع العقوبات واعتاد عليه وتعاطى معه من باب كونه مساراً قديماً، ولو ان ذلك لم يمنع التضامن مع حلفائه من خلال تواصل مباشر مع الامين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله. وفي وقت لا يزال الاميركي يراهن على إحكام الطوق على “حزب الله” من باب الضغط على حلفائه فإن لدى “الحزب” قدرته على المواجهة مستفيداً من تجارب الاميركيين مع حلفائهم في لبنان. طبقاً للوقائع فإن الرهان على تغيير “حزب الله” مواقفه تحت ذريعة الضغط رهان خاسر ايضاً.
في تعاطيه مع الملف الحكومي كما مع غيره من الملفات يدرك “الحزب” ان الوقائع في لبنان لن تتغير مهما ارتفعت حدة الضغوطات. بمعنى ان الخروج عن الثوابت غير ممكن. ولا شك انه يتابع الحديث عن أن العقوبات قد تطاول المزيد من حلفائه كرئيس “الوطني الحر” جبران باسيل، لكن الأخير تجاوز هذه المسألة منذ قال في آخر اطلالة إعلامية “مستعد للعقوبات ولكن لن أشارك بعزل فريق لبناني”، في المقابل من البديهي الّا يقبل “حزب الله” بتهميش مكون لبناني او يساهم بعزله حكومياً، وهو لغاية اليوم لم يدل بدلوه بعد في ما يتعلق بعدم شمول باسيل بالمشاورات الجارية، ولكنه قد لا يقبل به حكماً ولو ان الاخير صار على قاب قوسين او ادنى من اعلان عدم مشاركته في الحكومة.
من باب المسهل يتعاطى “حزب الله” الذي يعتبر نفسه التزم بتقديم تنازلات يوم تجنب تسمية محازبين في حكومة حسان دياب، وكان واضحاً نائبه محمد رعد حين قال في جلسة الثقة ان “الحزب يمنح ثقة لحكومة لا تشبهنا”.
بالامس كان المشهد الداخلي مأزوماً بكل تفاصيله، ما رسخ قناعة المقربين من ٨ آذار عن وجود «مسعى أميركي لهدم الهيكل على من فيه. هذا ما بدا واضحاً من زيارة ديفيد شينكر ثم العقوبات الاميركية والحبل على الجرار. وهل يعقل ان تتكرر حادثة مأسوية ثانية في المرفأ في غضون أقل من شهر. فرضية العمل المدبر واقعة بحكم ان ما لم يتحقق في العمل الاول يمكن تحقيقه بالثاني، وقد يكون المقصود تدمير مرفأ بيروت لعدم الحاجة اليه في مرحلة اتفاقات السلام مع اسرائيل. القصة أبعد من حريق مرفأ الى دور ومستقبل، بدليل ان بعض الاصوات في فرنسا عاتبت الرئيس ايمانويل ماكرون على تسرعه بتقديم تسوية في لبنان في هذا الوقت».