كتب طوني أبي نجم:
الحريق الثاني في مرفأ بيروت في 10 أيلول لم يكن مصادفة. وإذا كان انفجار المرفأ في 4 آب الماضي تحوم حوله شبهات كثيرة من “استيراد” نيترات الأمونيوم والجهة التي استوردتها والطريقة المتبعة في إخفاء حقيقة مسار الباخرة الروسية وكيفية إفراغها في مرفأ بيروت وعجز كل السلطات عن فعل أي شيء حيالها، فإن حريق المرفأ الثاني إنما يأتي ليكرّس واقعاً لا لُبس فيه: نحن امام سلطة حاكمة متواطئة وفاشلة وعاجزة حتى عن تأمين السلامة العامة في مرفق عام كمرفأ بيروت. السلامة العامة في مواجهة حريق، السلامة العامة في تطبيق معايير التخزين وغيرها من الإجراءات الإدارية البسيطة!
في مفهوم المسؤولية لدى أهل السلطة في لبنان أن المسؤولية هي وجاهة وامتيازات وصفقات وطريق سريع نحو الإثراء غير المشروع طبعاً. أما مفهوم تحمّل المسؤولية فهو مفقود وضائع في لبنان. لطالما اعتدنا على سماع مقولة أن المسؤول “يرفض الاستقالة لأنه يرفض التهرّب من تحمّل المسؤولية”، ولكن الوقائع أثبتت أن المسؤولين في لبنان على مختلف المستويات يتمسكون بالكراسي حتى الرمق الأخير لكنهم يتهرّبون من تحمّل المسؤولية حين تقع الكارثة… وما أكثر الكوارث وأفظعها في وطننا!
في مفهوم المسؤولية لدى الطبقة الحاكمة في لبنان أن يبقى المسؤول على كرسيه إلى أن يموت، بعد أن يكون ضمن لسلالته وراثتها من بعده إلى جانب الثروة الكبرى التي يكون كدّسها جراء مخالفته لكل القوانين. أما أن يتحمل مسؤولية الكوارث التي تحصل والفشل في الإدارة سواء عن تواطؤ أو عن جهل أو عن تقصير وإهمال، وذلك عبر الاستقالة أو الإقالة والمحاسبة الإدارية والقضائية فهذا لا يرد في قاموس هذه الطبقة!
إذا أردنا أن “نصفّي النيّة”، يمكننا أن نقول إن جميع المسؤولين، من رأس الهرم نزولاً إلى المسؤولين المعنيين في مرفأ بيروت، تسببوا بفعل إهمالهم وتقصيرهم ولامبالاتهم بسقوط حوالى 200 ضحية و6000 جريح و300 ألف مهجّر من منازلهم وعشرات آلاف الشقق السكنية والمكاتب والمؤسسات المدمّرة وآلاف المهاجرين وخسائر بما لا يقلّ عن 10 مليار دولار، ناهيك عن تلوّث بيئي هائل.
الطريف أنه وبعد حوالى 40 يوماً على جريمة انفجار المرفأ، وبعد أكثر من 24 ساعة على حريق المرفا الثاني، يستمر المسؤولون على كراسيهم، لا بل وتصل الوقاحة بهم إلى أن يشكلوا لجاناً من أتباعهم للتحقيق في جرائم تقصيرهم وإهمالهم… وأكرّر: إذا أردنا أن “نصفّي النيّة”!
إن تسلسل الحوادث منذ 4 آب على الأقل يؤكد المؤكد: لا خلاص للبنانيين إلا بالخلاص من الطبقة الحاكمة وامتداداتها في الإدارة والأجهزة الأمنية بشكل كامل ومحاسبة جميع المسؤولين. من دون ذلك ستبقى الانفجارات والحرائق والانهيارات في بلدنا عامرة!