Site icon IMLebanon

هل يتّخذ صوّان قراراته بحسب مزاج الرأي العام؟

كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:

يسير المحقق العدلي القاضي فادي صوّان ببطء شديد في التحقيق الجاري لكشف حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال والاستهتار الذي أوصل إلى الانفجار الذي تسبّب بنكبة بيروت. ورغم حرص صوّان على الابتعاد عن الأضواء، إلا أنّ الرجل يعمل على إيقاع الرأي العام والضغط الإعلامي بدلاً من السعي لإحقاق الحقّ وتطبيق العدالة. ولعلّ أبرز إشارة على ذلك كانت تراجع المحقق العدلي عن قراره قبل يومين بالموافقة على نقل المدير العام الموقوف للجمارك بدري ضاهر إلى سجن للجمارك. ورغم أن القرار مرفوض، فإن تراجع القاضي صوّان عنه، بسبب ضغط الإعلام والحملة التي شُنّت ضده، فهو مما يُسجّل عليه وليس له. غير أنّ التدقيق في مسار التحقيق يُنبئ بأنّ خطوات القاضي صوّان تُدوزَن لإرضاء الرأي العام. وخير مثال على قرار توقيف عدد من الضباط العاملين في المرفأ. إذ لا معيار واضحا اتّبعه. كما أنّه حصر المسؤولية بالضباط الصغار من دون التأكد من دور رؤسائهم، وما إذا كان هناك تقصير من المستويات الأعلى.

أوقف القاضي صوان الضابطين في الأمن العام شربل فواز وداود فياض من دون وجه حق. قام الضابطان بمسؤوليتهما على أكمل وجه. أبلغا قيادتهما بقضية النيترات وتابعا الملف عن كَثَب وكتبا 14 مراسلة وبعثاها إلى الضابط المسؤول عنهما، أبلغاه فيها بكل المعلومات المتوفرة حول وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ والمستجدات التي طرأت على الملف، علماً بأنّ دور دائرة الأمن العام في المرفأ ينتهي هنا. أصل مهماتها محصور بالأفراد الذين يدخلون الأراضي اللبنانية ويغادرونها عبر الميناء البحري.
لماذا لم يستمع المحقق العدلي إلى الضابط المسؤول عن الضابطين الموقوفَين أو مدير الجهاز للتثبت من قيامهما بواجبهما؟ كان الأولى قبل اتخاذ قرار التوقيف الاستماع إلى رئيس شعبة المعلومات العميد مُنَح صوايا أو المدير العام اللواء عباس إبراهيم لمعرفة ما إذا كان الضابطان في المرفأ قد ارتكبا جرماً أو مخالفة، أو أنهما قاما بواجبيهما على أكمل وجه. هل قرأ المحقق العدلي المهمات الموكلة إلى استقصاء الأمن العام في المرفأ واكتشف ما ليس مذكوراً في النصوص الناظمة لعمل الأمن العام؟ هل يُعقل أنّ المحقق العدلي لا يعرف آلية عمل ضباط الأمن العام؟ وكيف يسمح بوضع بريئين في مصاف المشتبه فيهم في جريمة بهذا الحجم؟ هل يستوي لديه مَن قام بواجبه المحدد قانوناً ومَن تخاذل ولم يُحرّك ساكناً؟

وماذا عن ضابط أمن الدولة الذي انقسم الرأي بين قائلٍ بمكافأته ومطالب بمحاسبته؟ فرغم أنّ الوثائق المسربة من تحقيق أمن الدولة توحي بأنه قصّر في طريقة التعامل مع ملف بهذه الخطورة من دون أن ينقل صورة واضحة، وبالرغم من طلب مديرية أمن الدولة منه إجراء تحقيق في الشهر الأول من العام 2020، إلا أنه تأخر أربعة أشهر قبل مباشرة التحقيق؛ لكن ألا يجب هنا على المحقق العدلي التحقيق مع رئيس شعبة المعلومات في أمن الدولة أو مدير الجهاز العام لمعرفة ماذا حصل فعلاً؟

لم يُفهَم المعيار الذي يسير القاضي صوّان وفقه بعد. فقد أوقف المدير العام السابق والحالي للجمارك، لكنه أوقف رئيس مكتب أمن المرفأ الحالي العميد أنطوان سلّوم فقط. ماذا عن رئيس المكتب السابق الذي كان رئيساً للمكتب يوم رست الباخرة «روسوس» وأُنزِلت النيترات؟ لماذا لم يتم توقيفه بعد؟ لماذا لم يُستدع مدير المخابرات السابق العميد إدمون فاضل الذي كان يكتب عيد تقاريره له؟ وماذا عن مدير المخابرات الحالي العميد طوني منصور؟ أوليس واجباً التثبت مما إذا كان رئيس مكتب المرفأ قد خابر قيادته أم أنه أهمل ذلك عن قصد أو عفواً؟ وبالتالي من يتحمّل المسؤولية عن الاستهتار الحاصل؟ وماذا عن قائدَي الجيش السابق والحالي العمادين جان قهوجي وجوزيف عون؟ أليس لزاماً، بناءً على كتاب الجيش المرفق بالملف بأن لا حاجة للمؤسسة العسكرية بالنيترات، سؤالهما عمن يتحمل مسؤولية تخزين المتفجرات أو المواد المتفجرة أو تلك التي تدخل في تصنيع المتفجرات، ومن يمتلك صلاحيتها بحسب قانون الأسلحة والذخائر؟

اندلع الخميس حريق في مسرح الجريمة. حريقٌ جديد مماثل للذي تسبب بالانفجار الأول في منطقة تعجّ بالأجهزة الأمنية التي تجهد لكشف ما حصل فعلاً. وهذا يكشف بأنّ الأمن السائب لا يزال سيّد الموقف في ظل رأيين. الأول مفاده أنّ العالمين بمداخل المرفأ ومخارجه وبمحتويات العنابر موجودون في السجن. والرأي الثاني يتحدث عن خشية من المحقق العدلي الذي لن يتردد في توقيف أحد إرضاء للرأي العام حتى لو كان مصدراً قد يُقدّم معلومات مفيدة للتحقيق. ويزعم أصحاب الرأي الثاني بأنّ مَن دلّ على مكان الأربعة أطنان من النيترات التي عُثر عليها قبل أيام في المرفأ يقبع في السجن. فمن قد يجرؤ ويعيد الكرّة؟