كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
يوم مرعب جديد عاشته بيروت أمس، يؤكد إمعان السلطة في إهمالها وإجرامها. إذ عادت مشاهد الذعر والهلع والهرب إلى الشاشات، لكن من دون دماء هذه المرة. فبعد الحريق الذي اندلع في أحد مستودعات المرفأ، هرب العمال وركضوا خوفاً من إنفجار يلي الحريق، في تكرار لكارثة 4 آب التي لم تفارق بعد عيون من عاشوها. ساعات طويلة استمرّ فيها الحريق واستمرّ معه خوف المواطنين. وفرض الحريق تساؤلات عن أسبابه، وشكوكاً حول كونه مفتعلاً. باعتبار أنه لا يفترض أن يندلع مجدداً أي حريق في منطقة يفترض أنه تم تفريغها من المواد الخطرة، ويفترض أن تكون الكارثة قد فرضت على الجهات المعنية مراعاة شروط السلامة. وسخر الكثير من المواطنين من إعلان وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال، ميشال نجار، أن المعلومات الأولية تفيد بأن سبب اندلاع الحريق قيام أحدهم باستخدام صاروخ أثناء التصليح وتطاير شرارة منه، وكأن السلطة تلقي المسؤولية على التلحيم مجدداً.
وبعد اندلاع حريق جديد، تسبب بالمزيد من الأضرار المادية والبيئية، في المنطقة المنكوبة، طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، متأخراً، تشكيل لجنة برئاسة وزير الأشغال، تضم ممثلين عن الاجهزة الأمنية وشركة المرفأ، لوضع تنظيم جديد للعمل في المرفأ وتأمين السلامة العامة فيه. أي بمعنى آخر طلب من المتهمين بالإهمال والمسؤولين عنه تشكيل لجنة لمعالجة الموضوع بعد أن أثبتوا فشلهم للمرة الثانية في وقت قصير. وفور سماع خبر اندلاع الحريق، ورؤية الدخان الأسود المتصاعد من المرفأ، قرابة الأولى والنصف من بعد ظهر أمس، ذُعر المواطنون وبدأوا اتخاذ ما أمكن من إجراءات، في محاولة لحماية أنفسهم قدر المستطاع في حال تلا الحريق انفجار كبير. بعضهم سارع للابتعاد عن مكان الحريق، آخرون فتحوا أبواب الشرفات الزجاجية في المنازل وابتعدوا عنها خشية أن تتكسر، غيرهم حاولوا الاختباء في أمكنة تكون فرصتهم للنجاة فيها أكبر من أماكن أخرى. وغطى الدخان الأسود سماء المدينة وضواحيها، وانتشر الدخان السام بين الأبنية السكنية. وأعلن الجيش أن حريقاً اندلع في مستودع للزيوت والاطارات في السوق الحرة في مرفأ بيروت. على الأثر، أعلن الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني، جورج كتانة، أن الصليب الأحمر في حال استنفار، وأن عناصر الجيش اللبناني وفوج الاطفاء والدفاع المدني يقومون بما يلزم من اجل السيطرة على النيران. وذكر أن هناك حالة ضيق تنفس واحدة تمت معالجتها ولم تستدع الدخول الى المستشفى.
وفيما كانت النيران تشتعل ويحاول الدفاع المدني إطفاءها، انتشر شريط مصور يظهر إشكالاً بين عناصر من القوى الأمنية وفوج إطفاء بيروت بالقرب من النيران المشتعلة. واستمرّت النيران في الاشتعال لساعات طويلة، فيما عملت طوافات الجيش وفرق الإطفاء على إخمادها. وحتى قرابة الساعة السابعة مساءً بدأت فرق الدفاع المدني السيطرة على النيران التي استمرّت في الاندلاع.
وفي وقت كان فيه الناجون من انفجار المرفأ يتنشقون الدخان السام، حذّرت الأستاذة في مادة الكيمياء، الدكتورة نجاة صليبا، من خطر كبير يتهدّد اللبنانيين نتيجة الدخان المتصاعد من المرفأ. وأوضحت صليبا للـ mtv أن “السموم يمكن ان تبقى في الهواء لمدة 24 ساعة، لافتة الى أن الأمر رهن بسرعة الرياح. وأشارت إلى أن “الأطفال وكبار السن يتعرضون لخطر ضيق التنفس أكثر من غيرهم، ما يوجب جلوسهم في غرفة نظيفة وبعيدة عن الدخان المتصاعد، ووضع الكمامات في خارج المنازل، وفي داخل تلك غير المغلقة بشكل محكم إضافة إلى رشّ المياه داخلها”. وترافق الحريق مع تصريحات مختلفة من نواب وسياسيين تشكك في أسباب الحريق، وأخرى تدعو رئيس الجمهورية ميشال عون للاستقالة. وفي وقت لا يزال ينتظر فيه المواطنون نتائج التحقيقات في انفجار 4 آب، طلبت وزيرة العدل، ماري كلود نجم، من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، “إجراء تحقيق فوري ومعمق نظراً لدقة الموضوع وخطورته، والمتابعة المباشرة والانتقال الى المرفأ لإجراء ما يلزم لجلاء واقع الحال تمهيداً لترتيب المسؤوليات وإجراء الملاحقات اللازمة”. ويخشى المواطنون من أن تسلك التحقيقات في الحريق مسار التحقيق بالانفجار، الذي لا يزالون ينتظرون نتيجته. ويعتبر الكثير منهم كلام الوزيرة إعلاناً شكلياً بهدف امتصاص غضب الناس ورفع المسؤولية عن كاهلها. وسارع عويدات إلى تكليف الشرطة العسكرية ومخابرات الجيش لإجراء التحقيقات الفورية في ما خص الحريق، وقرر تسطير استنابات إلى كل الأجهزة الأمنية لإجراء التحقيقات اللازمة والإستقصاءات والتحريات لمعرفة أسباب الحريق المفاجئ الحاصل في مرفأ بيروت. كما طالب القاضي بإبلاغه شخصياً وبالسرعة القصوى عن النتائج، “نظراً لخطورة الوضع وكشفاً لجميع الملابسات وكل ما يتعلق بالأضرار أو عدمه بمسرح الجريمة وبيان كل ما من شأنه إنارة التحقيق”.
من جهته، نفى محافظ بيروت القاضي مروان عبود أن يكون مسؤولاً عن مرفأ بيروت، معتبراً أن المرفأ لا يدخل ضمن صلاحياته. لكن عبود لم يسمّ الجهة التي يفترض أن تتحمل مسؤولية أمن وسلامة المرفأ، الذي يقع في نطاق محافظته، خصوصاً بعد الانفجار. ويبين الحريق مجدداً حجم استهتار السلطة وعدم اكتراثها بسلامة مواطنيها. وكنتيجة لحريق أمس، ضُمّ ملف جديد إلى ملفات التحقيق التي قد ترمى في الأدراج ويمنع المواطن من معرفة نتائجها.