Site icon IMLebanon

عادت حليمة؟!

كتب جورج بشير في صحيفة “الجمهورية”:

خلال بداية السبعينات كنّا في الزيارة شبه اليومية الى وزارة الداخلية التي كان مقرّها في تلك الايام في القسم الشرقي من سرايا رئاسة الحكومة، حيث دعانا المدير العام لهذه الوزارة الشيخ شفيق الخازن الى زيارته، وأطلعنا على مخاوفه من مضمون تقرير وصله للتوّ من منطقة جنوب لبنان يتضمن معلومات تشير الى وصول عدد من الفدائيين الفلسطينيين من الاردن عبر سوريا حيث أقاموا لهم خيماً وبدأوا بتدريب الشباب على حمل السلاح والقتال، مع توزيع بعض المال.

الفلسطينيون المسلحون وصلوا الى جنوب لبنان يومها من الاردن عقب صدامهم مع الجيش الاردني، بسبب محاولاتهم المتكررة استخدام الحدود الاردنية لشنّ هجمات مسلحة على اسرائيل، ما اعتبره الملك حسين انتهاكاً لسيادة بلده كونه يعرّض الأردن الى ردود فعل إسرائيلية غير محسوبة العواقب.

المدير العام لوزارة الداخلية اللبنانية الشيخ شفيق الخازن، الذي كان معروفاً عنه دقّته في التحليل، سارعَ الى إرسال التقرير الخطي الذي تسلّمه من أمن عام الجنوب الى كبار المسؤولين، ناصحاً من خلال إبداء الرأي بعدم التساهل مع هذه الشلل المسلحة، معتبراً أنّ اعدادها ستتضاعف في وقت قريب، وهي تنتمي الى عدة فصائل لا تخضع لرقابة السلطة العسكرية اللبنانية، ووجودها ونشاطها سيترتب عليهما انتهاك السيادة الوطنية وتعريض لبنان الى ردود فعل عسكرية من جانب اسرائيل لا طاقة له على مواجهتها، لا مادياً ولا معنوياً.

طبعاً الشيخ شفيق، بما عُرف عنه من حِسّ مرهف بالمسؤولية الوطنية، تمنّى علينا، وكنّا ثلاثة صحافيين، إحاطة الامر بالكتمان واعداً بإطلاعنا في اليوم التالي على موقف السلطة. وهكذا كان، في اليوم التالي لاحَظنا، لدى مقابلته عند انتهاء الدوام الرسمي، أنّ وجهه ممتعض وقال لنا معلّقاً: «وصَلنا أكثر من تقرير عن النشاط الفدائي الفلسطيني وانتشار الشباب وتدريبهم وتوزيعهم المال، وأنا متخوّف من المستقبل لأنّ السلطة اللبنانية لا تريد الصدام معهم لتفادي رد فِعل الشارع البيروتي وحتى العربي».

إستمر الفعل الفلسطيني، ورد الفعل الاسرائيلي وفوضى السلاح والمسلحين والعمل المسلّح سنوات. من دون أن تنفع في ضبطه كل الاتصالات والاجتماعات والمشاورات في ظل عجز لبنان عن ضبط حدوده، وعجز الدول العربية عن مساندته دفاعاً عن سيادته وأمنه، وعدم حصول الجيش اللبناني على الاسلحة ووسائل الدفاع عن ارضه، حتى أنّ اسرائيل نسفت مركز الرادار الذي أقامه الجيش اللبناني في الجنوب، مما أدّى الى عقد مفاوضات بين الجانبين اللبناني والفلسطيني في القاهرة برعاية الرئيس عبد الناصر توصّلت الى ما سُمّي يومها: اتفاق القاهرة، وبدعة موافقة الجانب اللبناني عليه ممثلاً بالحكم والحكومة ومجلس النواب بفِعل ضغط الشارع البيروتي على اتفاق القاهرة برفع الأيدي من دون الاطلاع على مضمونه؟!

مع وصول السيد اسماعيل هنيّة أمين عام حركة حماس الفلسطينية الى بيروت ورفاقه رؤساء وأعضاء الفصائل الفلسطينية لعقد مؤتمرهم في العاصمة اللبنانية الاسبوع الماضي، طرحت أوساط لبنانية مختلفة السؤال الآتي: هل عادت حليمة لعادتها القديمة؟

اللبنانيون جميعهم يؤيدون حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه الأم، وهذا موقف مبدئي، في وقت تُصاب فيه معظم العواصم العربية بمرض نسيان حق العودة الذي ناضل الرئيس اميل لحود بقوة في قمة بيروت العربية مُصرّاً على إدراج هذا الحق في صلب مقررات القمة، وكان له ما أراد.

لكن اللبنانيين يخافون اليوم مجدداً من نتائج مؤتمر بيروت الفلسطيني، خصوصاً في ما يتعلق بالمقررات «السرية» التي تردد بأنها اتخذت لمضاعفة العمل الفدائي الفلسطيني في المستقبل القريب ضد اسرائيل والعودة الى القيام بعمليات عسكرية لمضايقة الاسرائيليين، والدول العربية التي تعمل بمؤازرة أميركية على توسيع شبكة تطبيع علاقاتها مع تل ابيب.

الموقف اللبناني من دولة اسرائيل ومن حقوق الفلسطينيين في وطنهم الأم بديهي، خصوصاً حق العودة، فهل يصحّ تعريض لبنان مجدداً الى المزيد من الازمات والمشاكل، ليس في علاقاته مع اسرائيل لأنه لا علاقة له معها البتّة، بل لعلاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة. إذ لا يمكن للبنان ان يتحمل المزيد من ردود الفعل الاسرائيلية والمزيد من المقاطعة العربية كرمى للآخرين فيما الآخرون يعملون كلّ لضمان مصالحه الاقليمية والدولية، خصوصاً في هذه المرحلة التي تتغير خلالها رؤوس وأنظمة.

رحم الله الحاج حسين العويني رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق الذي كان يردد دوماً المثل القائل: «عند تغيير الرؤوس، إحفظ رأسك».