إذا كانت السلطة السياسية ظنت ان النيران التي اشتعلت من جديد في المرفأ وأتت على ما تبقّى منه، ستعطيها فترة سماح جديدة، وتحرّرها من الالتزام الذي قطعته للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر منذ قرابة الاسبوعين، بتشكيل حكومة جديدة في مهلة لا تتخطى الـ15 يومًا، فإن رهانها على المصيبة – التي لحسن الحظ اقتصرت على الماديات هذه المرة ولم تسقط ضحايا ابرياء اضافيين، خاب. ففيما كانت العنابر تشتعل، كان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ينهي في باريس مشاورات مع السفيرين برنار ايمييه وايمانويل بون، فوّضه إجراءها رئيس الجمهورية ميشال عون، تتعلق بمسار المبادرة الفرنسية من مختلف وجوهها لاسيما الشق المتعلق بتشكيل الحكومة.
وافيد ان ابراهيم نقل الى عون اهتمام فرنسا بمتابعة ما اتفق عليه خلال زيارة ماكرون خصوصًا لجهة الاسراع في تشكيل الحكومة التي يجب ان تضم اختصاصيين في مجالاتهم لا يلقون معارضة من ممثلي الاحزاب. في التفاصيل، وبحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، رئيس الجمهورية كان يسعى الى تمديد الفترة الزمنية المعطاة للتأليف، والى محاولة اقناع باريس بالتدخل لدى الرئيس المكلف مصطفى اديب لتليين مواقفه من المداورة في الحقائب ومن حجم الحكومة ومن اصراره على تسمية وزرائها بنفسه. غير ان المهمّة لم تحقق نجاحا. وعليه، فإن الموفد الرئاسي عاد من فرنسا، خالي الوفاض… والطابة عادت الى ملعب القوى المحلية التي سمّت اديب.
أكثر من سيناريو يمكن ان تشهده الخشبة الحكومية في الساعات القليلة الفاصلة عن انقضاء مهلة الـ15 يوما: ان يتمسّك أديب بتصوّره وشروطه، فيؤلّف حكومته ويضع الجميع امام مسؤولياتهم: فإما يقبلون ويسيرون بها كما هي، أو يعتذر أو يعتكف.
الاحتمال الثاني، ان يتوصّل مع الثنائي الشيعي الى تفاهم ما، حول حقيبة المال. فبعد العقوبات الاميركية التي فرضت على الوزير السابق علي حسن خليل، بات “حزب الله” و”حركة امل” اكثر تمسّكا بالحقيبة، التي كانا قبل العقوبات، يريدانها لاسباب “ميثاقية”. والمخرج، وفق المصادر، قد يكون بالتوصل الى حل وسط بين موقفي الثنائي واديب، بحيث يتفق مثلا رئيس مجلس النواب وأديب على اسم يتولّى الوزارة، لا يكون حزبيا او استفزازيا… وبذلك، تكون رفعت عقبة كبيرة من امام عجلات التشكيل.
يبقى ان التيار “الوطني الحر”، بحسب المصادر، سيقرر الرد على اداء أديب، الذي لم يلتق رئيسَه جبران باسيل يوما، بالبقاء خارج مجلس الوزراء العتيد. وهذا الموقف سيعلنه على الارجح زعيم البرتقالي، الاحد المقبل. واذا كان توقيت المؤتمر الصحافي يشير الى ان التأليف بات مستبعدا قبل الاحد، فان من الضروري ان يعلن باسيل خلاله، انه سيمحض وفريقه، الحكومة الوليدة، الثقة في البرلمان، ذلك ان ذهابه ابعد من المقاطعة، سيتهدد التشكيل برمّته، ويضع رأسه (اي باسيل) تحت مقصلة العقوبات الاميركية.
هي ساعات حاسمة يعيشها التشكيل. فاذا حلت العقدة الشيعية، ومعها المسيحية، أبصرت الحكومة النور مطلع الاسبوع المقبل. اما اذا ذهب الثنائي الشيعي نحو التشدد خاصة في شأن تسمية حزبيين، والتيار نحو المقاطعة وحجب الثقة، وبعبدا نحو التمسك بحكومة موسّعة… فعلى التأليف ولبنان السلام!