كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
يدفع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة مصطفى أديب ومن خلفه فرنسا باتجاه تشكيل حكومة مصغرة من 14 وزيرا بعدما درج في السنوات الماضية تشكيل حكومات فضفاضة تتراوح ما بين 20 و30 وزيرا سعيا لتلبية مطالب القوى الحزبية والطائفية التي حولت مجالس الوزراء أشبه ببرلمانات مصغرة مع إصرارها على أن يعكس تمثيلها في مجلس النواب تمثيلها في الحكومة.
وفي آخر محاولات التصدي لهذه الممارسات والسعي لتشكيل حكومات مصغرة منتجة، شكل رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي حسان دياب حكومة من 20 وزيرا بعدما تسلم أكثر من وزير أكثر من حقيبة. فتسلم وزير السياحة رمزي المشرفية وزارة الشؤون الاجتماعية، كما تسلم وزير البيئة دميانوس قطار وزارة التنمية الإدارية ووزير الثقافة عباس مرتضى وزارة الزراعة. إلا أن تجربة هؤلاء الوزراء في تسلم حقيبتين لم ترض رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يعتبر، بحسب مصادر قريبة منه أن هذه التجربة لم تكن مشجعة لذلك يدفع باتجاه حكومة من 24 وزيرا.
ويعتبر أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت ناصر ياسين أن المشكلة الأساسية في السنوات الـ15 الماضية هي تقوية دور الوزير على حساب دور مجلس الوزراء، فتحول «وزيرا ملكا» يمثل طائفته وجماعته ويمسك بمهام المدير العام في الوزارات ما أضعف دور الأخير الذي كان يلعب دورا أساسيا قبل اتفاق «الطائف».
ويشير ياسين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية أن يكون مجلس الوزراء المنوي تشكيله مصغرا وعبارة عن فريق عمل متجانس ينكب على التخطيط لإخراج لبنان من أزمته، مقترحا تصورا لمجلس وزراء مصغر من ١٠ وزراء، يضم ٥ وزراء مسلمين و٥ مسيحيين يتسلمون ملفات معينة، على أن يتولى رئيس مجلس الوزراء بنفس الوقت وزارة الخارجية والمغتربين ويتولى وزير الداخلية أيضا وزارة الدفاع باعتبار أن العمل في الوزارتين عمل أمني. ويقترح ياسين أن يتولى وزير المال وزارة الاقتصاد، ووزير العدل وزارة التنمية الإدارية باعتبار أن العمل فيهما يتوجب أن يندرج بإطار الإصلاح القضائي والإداري، على أن يتولى وزير الطاقة وزارة الأشغال ووزير الاتصالات وزارة الإعلام، ووزير الصناعة وزارتي الزراعة والسياحة بإطار تنمية الاقتصاد المنتج. وتضم التشكيلة التي يقترحها ياسين وزيرا واحدا يتولى وزارات التربية والتعليم العالي، الشباب والرياضة، والثقافة على أن يكون عمله تنمية وبناء الرأسمال البشري، على أن يستلم وزير الصحة وزارة البيئة، ووزير العمل وزارة الشؤون الاجتماعية وشؤون المهجرين والنازحين.
وقبل اتفاق «الطائف» الذي تم توقيعه عام 1989. كانت الحكومات اللبنانية بمعظمها مصغرة بحيث كانت تتراوح ما بين 9 و22 وزيرا مع تسجيل تشكيل حكومات ثلاثية ورباعية خلال الأزمات.
ومنذ عام 2008 درج أن تكون الحكومات من 30 وزيراً مع استثناءين فقط، إذ ترأس فؤاد السنيورة في عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، حكومة من 30 وزيراً وخلفه سعد الحريري في عام 2009 بترؤس حكومة ضمت نفس عدد الوزراء. وفي عام 2011 ترأس نجيب ميقاتي حكومة ضمت 32 وزيراً، قبل أن يشكل تمام سلام عام 2014 حكومة من 24 وزيراً. وفي عهد رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، شكل سعد الحريري حكومتين من 30 وزيراً الأولى عام 2016 والثانية عام 2019.
ويشدد رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية الدكتور بول مرقص على أهمية أن تكون الحكومات اللبنانية من الآن وصاعدا مصغرة، «باعتبار أن دول العالم التي بحجمنا لديها حكومات من 15 إلى 20 بالحد الأقصى»، لافتا إلى أنه أمر ضروري باعتباره يخفف من النفقات، أما العبرة بقدرة أي وزير على العمل بأـكثر من وزارة في آن فبنشاطه وسهره لتنفيذ العمل الكثير المتراكم ما يوجب أن يكون متفرغا بشكل كامل لوظيفته العامة.
ويشير مرقص في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية ألا يكون هناك بعد اليوم حكومات وحدة وطنية تكون بمثابة مجالس نواب مصغرة، ما يؤدي إلى انعدام المساءلة والمحاسبة ونسف اللعبة الديمقراطية بحيث تتم عندها التسويات على كل الشؤون العامة ولا تعود الكتل النيابية تحاسب ممثليها إلا فولكلوريا. مضيفا: «المطلوب حكومات أخصائيين مستقلين، خاصة أن مفهوم الوزير بعد اتفاق الطائف أصبح أوسع إذ يطال المستوى الإجرائي، ما يحتم عليه اتخاذ قرارات وليس العودة إلى الحزب الذي سماه لأنه وللأسف حولته التجارب في الحكومات المتعاقبة إلى مندوب حزبي داخل مجلس الوزراء».