Site icon IMLebanon

“الحزب” خارج الحكومة؟

كتبت أنديرا مطر في صحيفة القبس:

دخل لبنان ساعات حاسمة لجهة انتهاء مهلة الـ15 يوماً المعطاة من فرنسا لتشكيل «حكومة مهمة» تنفذ اصلاحات يشترطها الغرب لتقديم المساعدات وانتشال البلاد من أزمتها، وباتت عملية التأليف التي يقوم بها الرئيس المكلف مصطفى أديب في مخاضها الأخير مع الإعلان عن توجه أديب اليوم الى القصر الجمهوري لعرض تشكيلته على الرئيس ميشال عون، فإما يرفضها أو يوقعها ويحيلها إلى المجلس النيابي بحيث تنال الثقة او تسقط، وبحال رفضها عون قد يذهب أديب إلى الاعتذار، وبحال سقطت في المجلس بحكم غياب الميثاقية أو عدم نيل الثقة يعني سقوط المبادرة الفرنسية والعودة إلى نقطة الصفر.

اشارات متناقضة برزت حول تسهيل الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) والتيار الوطني الحر لعملية تشكيل حكومة حيادية من دونهم، واذا ما حصل ذلك يكون حزب الله خارج الحكومة اللبنانية للمرة الأولى منذ دخوله إليها عام 2005 عقب الانتخابات النيابية التي جرت بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وبحسب عدة مصادر مطلعة، فالأمور لا تزال معقدة، لا سيما في ما يخص مطلب الثنائي الشيعي، بينما يميل الرئيس عون الى قبول التشكيلة ورمي الكرة في ملعب النواب.

تصميم فرنسي

كما ان المعطيات الأخيرة تشير الى تصميم فرنسي بإنجاح المبادرة التي وضع فيها الرئيس ايمانويل ماكرون كل رصيده السياسي وباتت فرصة لبنان الأخيرة للانقاذ. وتشير مصادر سياسية الى ان الاليزيه لن يسمح بإفشال مبادرته، بدليل الالتزام بالجدول الزمني المتفق عليه لتشكيل الحكومة، بالرغم من اعلان الثنائي الشيعي، والتيار الوطني عدم رغبتهم في المشاركة فيها.

مفاجأة بري

قرار العزوف عن المشاركة الذي كان متوقعا من قبل جبران باسيل، ومفاجئا من قبل الرئيس بري استخدم المنطلقات نفسها. المشكلة مع فريق داخلي يعمل على تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين ويستقوي بالخارج. بري قال ان المشكلة ليست مع الفرنسيين المشكلة داخلية ومن الداخل، حيث أُطلق عنوان واحد لحكومة الاختصاص مقابل عدم الولاء الحزبي وعدم الانتماء النيابي وفيتوات على وزارات والاستقواء بالخارج وعدم اطلاق مشاورات، لذا ابلغنا أديب عدم رغبتنا بالمشاركة، واستعدادنا للتعاون. موقف بري أعاد خلط الأوراق وتعددت التفسيرات بشأنه. بين من اعتبره رضوخا لشروط الرئيس المكلف، ومن رأى انه رفع لسقف التفاوض لأنه لا يمكن تشكيل حكومة من دون الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، وهو ما يترك الباب أمام حل وسط يتمثل بإبقاء وزارة المال مع الطائفة الشيعية ولكن من خلال شخصية «لايت» غير مستفزة.

استدارة باسيل؟

واذا كان الموقف المفاجئ لبري بعدم المشاركة يأتي في اعقاب فشل التفاوض مع أديب والراعي الفرنسي للاحتفاظ بحقيبة المالية، لاسيما وان  اتصاله مع ماكرون «لم يكن إيجابيا» بل انطوى على تهديد بأن «شكلوا حكومة اذا استطعتم»، فإن مواقف رئيس التيار الوطني الحر  أمس شكلت استدارة كبيرة، تتناقض الى حد كبير مع مواقفه السابقة، تتمايز الى حد كبير مع حليفه حزب الله لا سيما انها تطرقت إلى جملة قضايا منها ترسيم الحدود والاستراتيجية الدفاعية وعودة حزب الله من سوريا.

باسيل سأل: لماذا الإصرار على تشكيل حكومة من فريق واحد، من دون التشاور مع أحد تحت عنوان الاختصاص وعدم الولاء الحزبي والاستقواء بالخارج؟ موجهاً رسالتين، الى رؤساء الحكومات السابقين الذين اتهمهم بـ«كسر التوازنات» حين سأل هل المواصفات والأسماء يحدّدها فريق واحد بالبلد من دون غيره وليست عنده الأكثرية البرلمانية وحده؟ والى رئيس المجلس النيابي نبيه بري حين ايد مداورة الحقائب، لافتا الى أن «الدستور واضح بعدم تكريس وزارة لطائفة.

امّا اذا كان الهدف هو تكريس التوقيع الثالث، فهذه مثالثة ونحن نرفضها حتماً». ورمى رئيس التيار الوطني الحر أوراقه على الطاولة دفعة واحدة في محاولة لالتقاط الفرصة الأخيرة التي تنقذه من سيف العقوبات الأميركية الذي يتهدده، فتوجه الى المجتمع الدولي بما يتوافق مع شروطه. ففي ملف ترسيم الحدود برا وبحرا والتزام 1701، اعتبر ان هناك مصلحة كاملة للبنان بإنهاء ملف الحدود على اساس ترسيم عادل. وفي مسألة الحياد والتحييد والاستراتيجية الدفاعية اعتبر ان طاقة اللبنانيين على تحمّل تبعات مشاكل الغير وصلت إلى حدّها الأقصى، رافضا أن يكون لبنان منطلقا للعمليّات الفدائيّة من أرضه وإعادة تحويله ساحة لتصفية الحسابات الخارجية.

تحولات كبيرة

وللمرة الاولى منذ عام 2005، يمكن قراءة تحولات كبيرة في المشهد السياسي اللبناني تجلت على وجه الخصوص في مسار تشكيل الحكومة. حيث أسست المبادرة الفرنسية مترافقة مع رزمة العقوبات الأميركية على شخصيات لبنانية، لنهج ومسار مختلفين في طريقة التعاطي السياسي ودفعت بقوى السلطة الحالية اما الى الانكفاء جانبا بذريعة التسهيل او الى رفع السقف للحصول على الحد المعقول.

في مرحلتها الأولى اثارت المبادرة الفرنسية ارتياحا لدى حزب الله في مقابل استياء الشارع وقوى المعارضة التي رأت فيها طوق نجاة للحزب. اليوم، كل المعطيات تشير الى أن لبنان اقرب الى حكومة لا وجود لحزب الله فيها، أو على الأقل لن تكون تحت قبضته، بعدما كانت الحكومات السابقة تسمى باسمه. نقطة التحول الكبيرة وفق الكاتب إبراهيم حيدر هي «العقوبات الأميركية» التي فعلت فعلها في المعطى السياسي الراهن وفي علاقة الحلفاء.

فالرئيس عون اصبح على قناعة أن الولايات المتحدة لن تتساهل بعد اليوم في العلاقة مع حزب الله، لذلك هو لم يعد قادراً على الاستمرار في تغطية الحزب كما يجب. ويتوقع حيدر ان تشهد المرحلة المقبلة تغييرات كبيرة قد تصل الى حد خروج عون من تفاهمه مع حزب الله. إضافة الى تأثير العقوبات، يلفت حيدر الى أداء جديد لرئيس الحكومة المكلف يتمايز عن رؤساء الحكومات السابقين، لا سيما بعد 2005. وهذا الأداء اشتكى منه باسيل والثنائي الشيعي.

لا شك ان اديب يقدم صورة مختلفة تتوافق مع المبادرة الفرنسية. فهو يحظى بدعم قوي من الفرنسيين الى جانب المناخ الأميركي المتشدد في موضوع العقوبات مع اطراف الممانعة، ويحاول ان يثبت حيثية له من خلال بيئته الطائفية، كل هذه النقاط تصب في مصلحته حكوميا، وفق حيدر. فالتسوية او التشكيلة الحكومية العتيدة ستأخذ بالاعتبار الموقع الشيعي، خصوصا حركة امل من خلال اسمين يتقاطعان مع الثنائي الشيعي ومع مناخ حكومة الاختصاصيين.

وفق حيدر لن يكون هناك قطع بالكامل مع الثنائي الشيعي. خصوصا ان الرئيس بري يشعر بضغط العقوبات التي من الممكن تطال اكثر من علي حسن خليل، هو يرفع السقف لتوجيه رسائل مختلفة لها علاقة بملفات مقبلة قد يكون جزءا منها ترسيم الحدود او استخراج النفط

. ويذكر حيدر أن تشدد بري في الاحتفاظ بوزارة المال، والا سيخرج من الحكومة فله استهدافات أخرى للمرحلة المقبلة. لكن أديب مقتنع بأن عملية التشكيل ستسير وفق الآليات التي حددتها باريس، إذ لا أحد قادر على نسف المبادرة الفرنسية، وأن أي رفض قد يعرض صاحبه إلى مزيد من العقوبات المرشحة الى مزيد من التأثير. وقد ينجح الفرنسيون بالتنسيق مع واشنطن وبالعلاقة مع الفئات اللبنانية المختلفة في تمرير الحكومة الحالية، لكن من دون أي رهان على أن تشكل حلا للأزمة اللبنانية، بحسب حيدر.

شروط «الأوروبي»

وامس دعا يانيز لينارزيتش، مفوّض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات، إلى تشكيل حكومة «ذات صدقية» في لبنان بشكل عاجل، قبل إطلاق مرحلة ثانية من الدعم المالي للدولة الغارقة في الأزمات. وقال يانيز لينارزيتش: إن الاتحاد الأوروبي خصص 79 مليون دولار للاستجابة الطارئة بعد انفجار المرفأ والدفعة التالية من التمويل ستكون لإعادة الإعمار، لكنه حذّر من أنه يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع الإصلاحات في الحكم، وليس الإصلاحات الاقتصادية فقط».

وأمس قال وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ان على الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية وعدم التفرقة بين جناحيه العسكري والسياسي، مرحباً بعزم صربيا تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية.