كتب جوني فخري في “العربية”:
تتسارع مشاورات تشكيل الحكومة في لبنان مع مهلة الخمسة عشر يوماً (التي تنتهي الثلثاء) والتي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتأليفها برئاسة الرئيس مصطفى أديب، أثناء زيارته بيروت في الأول من أيلول الجاري وإعلانه في مؤتمر صحافي بعد لقائه تسعة ممثلين عن أبرز القوى السياسية، أن الأطراف السياسية كافة من دون استثناء التزمت، بألا يستغرق تشكيل الحكومة أكثر من 15 يوماً.
ومن المتوقّع أن يزور الرئيس المكلّف قصر بعبدا قبل ظهر الأثنين للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون عارضاً تشكيلته الحكومية التي يصرّ بدعم من باريس على أن تكون حكومة اختصاصيين دون ولاءات حزبية من أجل إنهاء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تفاقمت بانفجار مرفأ بيروت يوم الرابع من آب.
وكرّت سبحة إعلان الأحزاب السياسية التقليدية رفضها المشاركة في الحكومة الجديدة التزاماً بالمبادرة الفرنسية القائمة على تشكيل حكومة بمهمة محددة Gouvernement de mission.
ومع أن موقف “التيار الوطني الحر” الذي عبّر عنه رئيسه النائب جبران باسيل كان “إيجابيا” لجهة إعلانه عدم مشاركته في الحكومة مع تسهيل مهمة الرئيس مصطفى أديب من دون وضع شروط، وهو الذي كان يُتّهم بأنه أبرز المعرقلين في تشكيل الحكومات سابقاً، إلا أن موقف رئيس البرلمان نبيه بري كان “حمّال أوجه” ولو أنه أعلن عدم المشاركة بالحكومة بعدما كان من أبرز طبّاخي الحكومات والمشاركين فيها منذ انتهاء الحرب اللبنانية في التسعينيات وحتى الأثنين.
المداورة بالحقائب الوزارية
فقد أعلن الأحد أنه لن يشارك في الحكومة وفق الأسس التي وضعت، مشيراً إلى أنه سيكون عنصراً مسهلاً لإنقاذ لبنان وماليته. وهذا يفتح الباب على احتمالين، إما تسليمه بالشروط الفرنسية، لاسيما لجهة المداورة بالحقائب الوزارية أي التخلّي عن وزارة المال التي يعتبرها أنها من حصّة الشيعة حصراً، وإما التوافق على شخصية شيعية للوزارة بالتفاوض على اسم لا يستفز أحداً.
وفي دلالة إلى “امتعاض” الثنائي الشيعي من المسار الذي تسلكه التشكيلة الحكومية بدفع من الفرنسيين، ما أشارت إليه المعلومات حول “سلبية” الاتّصال الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس بري في عطلة نهاية الأسبوع، وعدم توصّله إلى حلّ عقدة حقيبة المالية التي يتمسّك بها الثنائي الشيعي.
يأتي ذلك، في وقت يحطّ السفير المكلّف بالملف الاقتصادي والمالي للبنان وأحد أعضاء الفريق الفرنسي المتابع للمبادرة الفرنسية بيار دوكان، في لبنان هذا الأسبوع لمتابعة البحث مع المسؤولين في القطاع المالي في كيفية الاتفاق على وضع مشروع موحّد لأرقام الخسائر، لاستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي فور تشكيل الحكومة.
الحكومة قاب قوسين
وتقول مصادر من العاصمة الفرنسية لـ”العربية.نت” “إن الحكومة قاب قوسين أو أدنى وستكون بين 14 و16 وزيراً كحدّ أقصى من دون الدخول بتفاصيل الأسماء، وهي ستكون حكومة “منزوعة” الأحزاب بمهمة محددة، وقف التدهور الحاصل على الصعد كافة والبدء بورشة الإصلاحات”.
أما عن عقدة وزارة المال التي يتمسّك بها الثنائي الشيعي بحجّة الميثاقية، فأشارت المصادر إلى أن “الفرنسيين لا يحبّذون فكرة تخصيص وزارة محددة لطائفة معيّنة، وكأن خدمة البلد ومصالح شعبه لا تتم عبر هذه الوزارة. وعلى هذا الأساس كان مضمون الاتّصال بين الرئيس ماكرون والرئيس بري”.
تفكيك لغم وزارة المال
ومع أن بري أصرّ باسم الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله على الاحتفاظ بوزارة المال متذرّعاً بمحاضر اتّفاق الطائف التي تتحدّث عن تكريس وزارة المال للطائفة الشيعية، وهو ما أبلغه إلى الرئيس الفرنسي خلال الاتّصال الذي جرى بينهما، غير أن الإليزيه تمسّك بدوره بعوامل إنجاح المبادرة الفرنسية منها اعتماد مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية.
ويبدو بحسب المعلومات أن نزع لغم وزارة المال تمّ عبر رجال أعمال ونافذين لبنانيين في إفريقيا تواصلوا مع بري من أجل تليين موقفه والالتزام بمبدأ المداورة خدمةً لمصلحة اللبنانيين.
ضغط فرنسي-أميركي
ومع أن رئيس حركة أمل، ومعه حزب الله قد يستخدمان سلاح “الميثاقية” بوجه حكومة أديب عندما تطلب ثقة البرلمان، فيرفضان منحها الثقة بحجّة عدم تمثيلها للمكوّن الشيعي، استبعدت مصادر العاصمة الفرنسية “ألا تنال الحكومة الثقة، لأن الضغط الفرنسي ومن ورائه الأميركي كبيران وعصا العقوبات الأميركية ستكون مُسلّطة فوق رؤوسهم”.
وينطلق ماكرون في مبادرته للبنان من دعم فرنسي غير مسبوق يحثّه على عدم ترك لبنان، لأنه في خطر ومساعدته للخروج من الأزمات التي يتخبّط بها. لذلك، يقارب ملف لبنان بعناية خاصة ويستعين بفريق عمل يضمّ فرنسيين يعرفون جيداً خصوصية لبنان وشاركوا في إعداد ملفاته في فترات سابقة، ولبنانيين يعملون في مجالات عديدة في فرنسا.
عراقيل اللحظة الأخيرة!
من جهته، اعتبر عضو المكتب السياسي في “تيار المستقبل” النائب السابق مصطفى علوش لـ”العربية.نت” “أن تطبيق المبادرة الفرنسية من خلال تشكيل حكومة من دون الأحزاب التقليدية سيُريح البلد، لكن حتى الآن علينا أن نتعاطى بحذر مع المشاورات الحكومية، لأن تجربتنا مع الفريق الآخر غير مُشجّعة، وقد يضعون عراقيل في اللحظة الأخيرة”.
كما أضاف “قد يُسهّلون تشكيل الحكومة، إلا أنهم (أي التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي) قد يرابضون للحكومة في مجلس النواب من خلال عدم منحها الثقة وشهر سلاح الميثاقية من قبل الثنائي الشيعي”.