Site icon IMLebanon

“السلبطة” على “المال”… الوقائع تدحض الإدّعاءات

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

يستشرس رئيس مجلس النواب نبيه بري ومعه “حزب الله” في معركة الإحتفاظ بوزارة المال، ويبدو أن سيناريو وضع اليد على منصب المدير العام للأمن العام ينتقل إلى هذه الوزارة، مدعوماً بحملة طائفية تناقض كل ما يطالب به بري بقانون إنتخابي خارج القيد الطائفي وبالدولة المدنية.

يتسلّح بري في معركته للإحتفاظ بوزارة المال بأنه جرى التداول بهذا الأمر خلال مناقشات “إتفاق الطائف” لكي يكون للشيعي توقيع مثل الموارنة والسنّة، لكن في “الطائف” طُرحت أفكار عدّة ولم تقرّ، لذلك لا يستطيع أحد القول إن هذا الموضوع بات نافذاً لأنه طرح خلال المؤتمر.

ويبدو واضحاً أنّ بري و”حزب الله” يريدان من “الطائف” ما يتطابق مع أحلام السيطرة على البلد، ولو كانا فعلاً يرغبان بتطبيق هذا الإتفاق فلينطلقا من نقطة أولى أساسية وهي تسليم سلاح كل الميليشيات وعلى رأسها “حزب الله”، في حين ترى مصادر معارضة أن تمسّك بري و”الحزب” بهذه الحقيبة ليس هدفه تحقيق مكاسب للطائفة الشيعية فقط، بل إن العقوبات الأميركية الأخيرة على وزير المال السابق علي حسن خليل، كشفت كيف تتمّ الإستفادة من هذه الوزارة لتمرير مصالح “حزب الله” وتمويله والإلتفاف على العقوبات، ولو ان ذلك يضرب مالية الدولة ومصالح الشعب اللبناني.

وفي السياق، ساد عرف بعد “إتفاق الطائف” بأن توزّع الحقائب الأربع السيادية على الطوائف الكبرى وهي المارونية والسنية والشيعية والروم الأرثوذكس، وبالتالي فإنه في المنظار الطائفي لا توجد خسارة للشيعة إذا تخلوا عن “المالية” لأنهم سيحصلون إما على “الداخلية” أو “الدفاع” أو “الخارجية”.

ويحاول بري الظهور بمظهر القابض على اللعبة ويستطيع تحقيق كل شيء وخلق أعراف لم تقرّ في “الطائف”، محاولاً الإبتزاز حتى لو ذهب البلد إلى الإنهيار، في حين أن الفضائح قد تتوالى في وزارة المال أثناء الفترة التي استلم وزراؤه السدّة فيها.

عهد الهراوي

وبالعودة إلى ما بعد “الطائف”، فإن توزيع الحقائب في عهد الرئيس الياس الهراوي وعلى رأسها وزارة المال، يكشف ان ما يقوله بري ليس صحيحاً، ففي أول عهد بعد السير بـ”الطائف” تشكلت حكومة برئاسة سليم الحص في 25 تشرين الثاني 1989 وكان وزير المال شيعياً وهو علي الخليل، الذي تولّى الحقيبة نفسها في حكومة الرئيس عمر كرامي في 24 كانون الأول 1990، في حين أن الوزير الشيعي أسعد دياب شغل حقيبة المال في حكومة الرئيس رشيد الصلح في 16 أيار 1992 والتي لم تعمّر طويلاً.

في تلك المرحلة كان السوري يحتل البلد ويفرض من يشاء وكان برّي حليفه، ولو فعلاً كان “الطائف” ينص على تولي شيعي وزارة المال لما كان تخلى بري عنها في أول حكومة شكّلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 31 تشرين 1992، حيث تولى الحريري شخصياً الوزارة بعد أزمة إرتفاع الدولار. وتكرر مشهد عدم إيلاء “المال” للشيعة في حكومة الحريري الثانية في 25 أيار 1995 حيث عيّن السنّي فؤاد السنيورة وزير دولة لشؤون المال، ليعود الحريري شخصياً ويتولى وزارة المال في الحكومة التي شكّلها في 7 تشرين الثاني 1996 واستمرت حتى إنتهاء عهد الرئيس الياس الهراوي.

لحود لم يمنحهم المال

عهد ينتهي وعهد آخر يطل بانتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية وهو الحليف الأول للسوري في لبنان، وإذا كانت الحجة السابقة أن الحريري وضع يده على وزارة المال فإن لحود أعطى الشيعة منصب المدير العام للأمن العام ولم يشكّل الحريري حكومة عهده الأول، بل ألّفها الحصّ في 4 كانون الأول 1998 وأُسندت وزارة المال إلى الماروني جورج القرم. عاد الحريري إلى السلطة بعد إنتخابات عام 2000 وقد اجتاح فيها بيروت وشكّل حكومة العهد الثانية في 26 تشرين الأول 2000 وكانت وزارة المال من حصّة السنيورة، وفي حكومة 17 نيسان 2003 عاد السنيورة وزيراً للمال.

خرج الحريري من الحكم بعد التمديد للحود وأوكلت مهمة تأليف الحكومة إلى كرامي والذي ألفها في 26 تشرين الاول 2004 وعيّن الأرثوذكسي إبن كفرحاتا الكورة الياس سابا وزيراً للمال. وبعد زلزال 14 شباط تشكّلت حكومة إنتقالية برئاسة نجيب ميقاتي في 19 نيسان 2005 وعُيّن الماروني دميانوس قطار وزيراً للمال.

خرج السوري من لبنان وجرت الإنتخابات في ربيع 2005 بعد الحلف الرباعي الذي ضمّ “الثنائي الشيعي” و”المستقبل” و”الإشتراكي” وأعادت 14 آذار إنتخاب بري رئيساً لمجلس النواب، ومع هذا كله تألفت حكومة السنيورة في 7 تموز2005 وأُسندت وزارة المال إلى الماروني جهاد أزعور برضى بري و”حزب الله”.

عودة ضمن المداورة

بعد أحداث 7 أيار و”إتفاق الدوحة” إنتخب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وعلى رغم أن “حزب الله” و”أمل” والحلفاء ومحورهم كانوا منتصرين إلا أن أحداً لم يفتح سيرة وزارة المال، وقد تألفت حكومة السنيورة في 11 تموز 2008 وأسندت وزارة المال إلى الوزير الشهيد محمد شطح. وبعد إنتخابات 2009، شكّل الرئيس سعد الحريري حكومته الأولى في 19 تشرين الثاني 2009 وعيّن السنية ريّا الحسن وزيرةً للمال.

سقطت حكومة الحريري باستقالة وزراء فريق “8 آذار” وحلفائه والوزير الملك عدنان السيد حسين وإنتصر “حزب الله” في معركته وأخرج الحريري وقوى “14 آذار” من الحكم، وشكّلت حكومة بفعل ضغط ما عُرف وقتها بـ”القمصان السود” في 13 حزيران 2011 برئاسة ميقاتي وعُيّن السني محمد الصفدي وزيراً للمال.

تبدّلت الأحوال بعد إندلاع الحرب السورية ولم تستطع حكومة “حزب الله” الإستمرار فاستقال ميقاتي ليتم تأليف حكومة برئاسة تمام سلام في 15 شباط 2014، حينها كانت البلاد تغرق في التفجيرات وسط التخوف من إمتداد التطرف السني إلى لبنان، فكان القرار بإسناد حقيبة “الداخلية” إلى وزير سني وتم إختيار نهاد المشنوق، وذلك على اعتبار أن السني يستطيع مواجهة الأحداث في صيدا وعرسال وطرابلس، فنجح المشنوق في إبرام تسوية أنهت جولات القتال في طرابلس وإنهاء الحالة الشاذة في سجن رومية، من هنا حصلت مداورة في الحقائب حيث استلم الشيعي علي حسن خليل وزارة المال والأرثوذكسي سمير مقبل وزارة الدفاع والماروني جبران باسيل وزارة الخارجية.

في حينها لم يتحدّث أحد عن أن تعيين حسن خليل هو لأن هذه الحقيبة للشيعة، وبعد إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016، أصرّ الرئيس سعد الحريري الذي عاد إلى السراي على تأليف حكومته سريعاً وقبل عيدي الميلاد ورأس السنة فتشكّلت في 18 كانون الاول 2016 ولم يجرِ أي تغيير جوهري على الحقائب الأساسية لكي لا تتم العرقلة فعاد حسن خليل وزيراً للمال، وكذلك الأمر في حكومة الحريري الثانية في عهد عون التي تألفت في 31 كانون الثاني 2019 بعد أشهر من العرقلة ووضع العصي في الدواليب وتطيير مفاعيل مؤتمر “سيدر 1” والتي أوصلت كل التراكمات إلى إنفجار ثورة 17 تشرين وإعلان الحريري الإستقالة.

بعد إستقالة الحريري واعتكافه وعدم رغبته بالعودة مجدداً تم تكليف حسان دياب لتأليف الحكومة، وتشكّلت حكومة لون واحد مغطاة بغطاء إختصاصيين في 21 كانون الثاني من العام الحالي واختار بري الشيعي غازي وزني لوزارة المال ليبدأ الحديث عن أن هذه الحقيبة هي حكر على الطائفة الشيعية.

وفي جردة بسيطة، فإن وزارة المال توزّعت على كل الطوائف الأساسية وحصل عليها الشيعة من عام 1989 إلى يومنا هذا 7 مرات فقط، كما سجّل غياب تام عنها من عام 1992 إلى عام 2014، في حين أن عون عندما كان رئيساً لتكتل “التغيير والإصلاح” طالب في إحدى المرات بإعطائه وزارة المال لوحدها مع حقائب دولة مقابل تخلّي تيار “المستقبل” عنها، وبالتالي اليوم بات عون في بعبدا ولديه حق التوقيع ولا تُشكل أي حكومة بلا إمضاء رئيس الجمهورية، فهل هو قادر على إعتماد مبدأ المداورة وتخليص وزارة المال من قبضة بري و”حزب الله”، خصوصاً أن سيف العقوبات سيبقى مصلتاً في حال تولي أي قريب من “الثنائي الشيعي” هذه الوزارة؟