كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
في الأنظمة البرلمانية الديموقراطية من حق رئيس أي كتلة او صاحب موقع رسمي أن يطلب ما يشاء عند تشكيل حكومة جديدة، والرئيس المكلف بتشكيلها، يمكن أن يستجيب او لا، وفقا لموازين القوى، او استنادا الى اعتبارات المصلحة الوطنية.
لكن الواقع اللبناني المنهار حاليا، يفرض تعاملا خاصا مع الحكومة العتيدة، كما أن الظروف المحيطة بكل ما يجري في لبنان، تحتم اعتماد الحكمة لوقف الغرق، حيث لا ينفع أي موقع او وزارة إذا ما غرقت السفينة بالجميع.
من المؤكد عدم وجود تسهيلات كبيرة من بعض قوى السلطة أمام تشكيل حكومة مصطفى أديب العتيدة، وهناك «قلوب مليانة» تخفي التعامل مع المبادرة الفرنسية الإنقاذية التي جاءت مباشرة للمساهمة في إطفاء حريق المرفأ الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا، بينما كانت البلاد تشتعل بالأزمات المعيشية والمالية والأمنية والصحية أيضا.
موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المعترض على مبدأ المداورة في استلام الحقائب الوزارية، وتمسكه بأن تكون وزارة المالية من حصة الطائفة الشيعية، خلط الأوراق، وهو محط ترقب واهتمام محلي ودولي، على اعتبار أن هذا الشرط يؤسس لاشتراطات من قوى أخرى وطوائف مغبونة، خصوصا أن بعض هذه القوى لم تستسغ فكرة حكومة الطوارئ المحايدة منذ البداية.
كما أن مطلب بري أنتج مطالب عند طوائف وأحزاب، تعتبر نفسها مغبونة من طريقة تقاسم السلطة، خصوصا في حصرية ما يسمى بالحقائب السيادية الأربع، أي المالية والداخلية والخارجية والدفاع، وسبق لشخصيات تنتمي الى هذه الطوائف أن تولت هذه الحقائب ولفترات طويلة.
هل موقف الرئيس بري شخصي برغماتي يتعلق بتحسين شروطه او بحرصه على حصة حركة أمل، او على الحصة الشيعية في الحكومة؟ ام أنه يخفي موقفا منسقا مع حلفائه في السلطة، او مع قوى المحور الذي ينتمي اليه، لإجهاض المبادرة الفرنسية، او لإنهاكها على أقل تقدير؟
وزارة المالية هي مصدر «وجع» رأس في هذه الفترة، وكانت سببا لفرض عقوبات على الوزير السابق علي حسن خليل المساعد الرئيسي لبري، وقد تطول غيره من شخصيات الحركة، وهي متعبة لأن البلد في وضع مالي مزرٍ، والامتعاض الشعبي يتصاعد احتجاجا على الوضع المعيشي الصعب، خصوصا عند أبناء الجنوب والبقاع، وقد لا تستطيع سياسة الاستنهاض الطائفي او المذهبي التي اعتادت عليها غالبية القوى السياسية إخماد نار هذه الامتعاضات، وبالتالي فإن هذه الفرضية التي قد يستند اليها الرئيس بري بالحفاظ على ما يسميه حقوق الطائفة الشيعية، غير كافية لتمسكه بوزارة المالية.
مصادر سياسية متابعة تؤكد أن الرئيس بري يحمل مطالب محور الممانعة برمته، وهذا المحور يبدو أنه لم يسلم بعد بفكرة فك أسر الدولة اللبنانية التي انهارت على رؤوس الذين حكموها منذ ما يزيد عن 7 سنوات، وبالتالي فإن المحور ذاته يحتاج لإيضاحات أكثر من فرنسا حول مبادرتها، او أنه لن يسلم إدارة البلاد رغم الفشل الذي أصابه.
وهذه وتلك من الفرضيات تخفي «ممانعة» في وجه الخيارات الدولية والعربية الجديدة التي أخذت قرارا بمنع سقوط لبنان نهائيا في يد قوى المحور المذكور.
الرئيس بري يعرف أن القوى اللبنانية الأخرى – لاسيما بكركي ومعراب – ترفض الواقع الراهن. وتقاسم النفوذ الشخصي والطائفي الذي دمر البلاد لا يمكن أن يدوم أكثر، والمرجعيات الإسلامية الأخرى لن تسمح بفرض أعراف تكبل حركة مؤسسات الدولة المتآكلة والتي أصابها هريان كامل، وخيارات الفوضى والاستقواء بالسلاح والعدد، مغامرات غير محسوبة، وقد تؤذي الذين يفكرون باللجوء اليها أكثر مما تؤذي الآخرين، وأجهزة الدولة ستكون عاجزة عن حماية الطبقة السياسية الحالية.