كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
إستطاعت حكومة تصريف الإهمال في لبنان أن تُحقّق المطلوب منها حتّى الساعة، من إدخال البلاد في متاهة الحلول السطحية للمشاكل المتراكمة والإصطفاف خلف محاور “إضاعة الوقت”، للنقاش في قضايا جانبية وما يتبعها من عجز عن الإنجازات الفعلية. وفي وقت أحيل فيه المدير العام للجمارك بدري ضاهر والمدير السابق شفيق مرعي إلى المستشفى في تهريبة صحّية حماية لهما من عوارض انخفاض ضغطيهما معاً بأعجوبة، يطلق آلاف المساجين وأهاليهم صرخات استغاثة فيما يتفشى وباء “كورونا” بينهم ويُنبئ بكارثة إجتماعية جديدة!
“إيلي كيروز، حسين حرب، سيمون دنيا، محمد طليس، يوسف سليمان، عبد الكريم، محسن سليمان، ميشال عبدلله، داني القاضي، محمد حسن، وائل الفليطي، ربيع الحاج علي، خالد الحجيري، مصطفى سليمان…” هي أسماء المرضى اليوم، بحسب أحد مساجين مبنى المحكومين “ب”، أما في مبنى “دال” فلم تُجر الفحوص حتى الساعة، وسط هلع كبير بين المسجونين والأهالي و”تطنيش” حكومي فاضح.
عقاب لا يتناسب والجرم
متمسّكون بأمل جدّي بالإفراج عن أبنائهم وذويهم بذريعة “كورونا”، يحاول أهالي السجناء اليوم الضغط مُجدّداً في سبيل الحصول على العفو لأقاربهم، آملين ألّا يقتصر الأمر هذه المرة على إشغال الإعلام والرأي العام بالقضية عدّة أيام فقط.
ولـ”نداء الوطن” تقول وداد ناصرالدين: “لا يستحقّ أخي أحمد عقاب الموت، كل ما اتُّهم به كان تهمة بسرقة مبلغ من أحد أقاربنا، وصدر حكم ببراءته في بيروت لكنّه ما زال محتجزاً لأنّ معاملات إخلاءات السبيل لم تُوقّع حتّى اليوم بحجّة عدم حضور القضاة بسبب “كورونا”…! وحتّى لو افترضنا أن ّسجناء تهم السرقات غير أبرياء، ألا يحقّ لهم عقاب يتناسب مع ما ارتكبوه وليس الموت؟ بات السجن عقاباً جائراً وغير متناسبٍ مع الجرائم المرتكبة بصراحة، مثلاً كان من المفترض أن يحتجز أخي في عدالة تصحيحية لكن منذ أن دخل السجن وهو يقضي وقتاً في الجحيم”.
وتابعت ناصر الدين: “ما السجن الا صورة مُصغّرة عن الدولة الفاشلة. من حقّ أي مواطن مُتّهم أو حتّى مجرم أن يُعاقَب بعقاب مُماثل للضرر الذي قام به! هناك مساجين بقضايا حوادث سير، فهل من العدل حقّاً الحكم عليهم بـ”كورونا”. ولذا، نظّم عدد من سجناء رومية وقفة داخل السجن، رفعوا خلالها لافتة كُتب عليها: “كورونا داخل السجن… أنقذونا”، هم يعترفون أنّهم أخطأوا لكن هل تبيح أخطاؤهم دماءهم؟ جلّ ما نطلبه هو العدل”.
رسالة ناصرالدين، هي واحدة من عشرات الإتّصالات التي وردت إلى “نداء الوطن” من السجناء وأهاليهم، وسط إفادات عن تفشي الفيروس على الأقلّ في أربعة مراكز مُكتظّة تغيب عنها أدنى متطلّبات الرعاية والنظافة والتعقيم.
وبحسب الفيديوات والشهادات التي جمعتها “نداء الوطن” من السجناء وأهاليهم، فإنّ السلطات في السجون “لم تبذل جهداً كافياً من أجل الوقاية من احتمال تفشّي الوباء بين المساجين، ولم تتّخذ أي تدابير خاصة لحماية كبار السن او الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة تجعلهم أكثر عرضة للخطر ولم تتّخذ الإجراءات المناسبة لمنع انتشار الفيروس، مثل توفير كمّيات أكبر من الصابون ومعقّم اليدين أو توزيع القفّازات والكمّامات على المحتجزين. كما قال أحد الآباء أنه “فقد الإتصال بإبنه بعدما أخبره أنه يشكو من ألم في مفاصله وعظامه وأنّ حرارته كانت مرتفعة ولم يتلقّ أي مُسكِّن للألم، وأنّه وبسبب الإكتظاظ “يشكّ أن كلّ من خالط ابنه من المؤكد انه مريض لكن لن تظهر المشكلة الا بعد حوالى الأسبوع، غير أنّ معظمهم ينام على الأرض وبطريقة متلاصقة ببعضهم البعض بسبب نقص الأسرّة، وأنّه لا يُمكن تطبيق التباعد الإجتماعي في هذه الظروف السيئة”.
أين العفو العام والخاص؟
وفيما أكّد وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن وجود إصابات في رومية، إذ قال: “إننا أمام تحدٍّ اضافي حيث لدينا إصابات في سجن رومية من عديد القوى الأمنية وعدد محدود جداً من الموقوفين، ولهذا الغرض تحدّثنا بسرعة ليلاً مع معالي وزير الداخلية والبلديات ووزيرة الدفاع ودولة رئيس مجلس الوزراء”، أثقلتْ “كورونا” كاهل الحكومة المنصرفة قريباً، بملفٍّ غاية في التعقيد، ملفّ العفو عن “المساجين والموقوفين” الذي يُقفل ويُفتح بحسب الحاجة السياسية. وبالمقابل، نُفّذ اعتصام أمام سجن رومية احتجاجاً على الأوضاع الصحّية السيّئة والصعبة في ظلِّ تفشّي الفيروس بعد التأكّد من ثبوت حالات مُصابة داخل السجن.
أما سعاد، وهي زوجة أحد المحكومين، فتقول لـ”نداء الوطن” في اعتصامها أمام مبنى سجن رومية، إنّ زوجها كغيره من المساجين لن يحميه من المرض أو الموت سوى الحظّ، فـ”قضية مساجين لبنان لن تُحلّ إلا إذا تفاوضت طائفياً كلّ الرؤوس الكبيرة المُتنحّية شكلياً عن الحكم، لا حكومة صورية محدودة الصلاحيات”، وسألت: “أين العفو العام الذي وعدوا به جميعاً قبيل الإنتخابات الأخيرة، او ذلك العفو الخاص الذي وعد به الرئيس في أول مراحل ظهور الفيروس في أول السنة”؟
“إفتحوا للسجناء أبواب الأمل بمستقبل جديد”، رفع أبو علي خضر بريطع هذه اللافتة، وصرّح لـ”نداء الوطن” أنّهم كأهالي الموقوفين والسجناء، ومنذ اللحظات الأولى لبداية ظهور حالات في لبنان، ارتفعت أصواتهم تنادي باستباق الأمور قبل انفجار قد يقع في سجن رومية نتيجة الاكتظاظ وسوء الرعاية الصحّية، وقد نظّموا اعتصامات تحذيرية عدّة في محيط قصر العدل ومن أمام السجون، سواء في رومية أو طرابلس، حتى أنّهم تظاهروا أمام بيت الشعب من دون أي نتيجة أو تجاوب من المراجع المعنية. واليوم “وقعت المصيبة”، على حدّ تعبيره، وختم: “بكلّ بساطة، لا نريد أن يخرج أبناؤنا من السجن في أكفان وتوابيت، كل يوم تصلنا لائحة بأسماء جديدة من المصابين”.
السبب: قوات مكافحة الشغب؟
من جهته، يقول مؤسّس لجنة العفو العام دمر المقداد لـ”نداء الوطن” أن “المساجين تناقلوا أخباراً مفادها أنه منذ أسبوعين دخلت المبنى “ب” سرية من قوات مكافحة الشغب، تعدادها لا يقلّ عن ثلاثمئة عنصر من أجل القيام بتفتيش المبنى من دون اتّخاذ الإجراءات الوقائية، وبعدها بأسبوعين، أي 14يوماً بالتحديد، بدأت ظهور العوارض على بعض السجناء من سعال وحرارة وإسهال وضيق تنفس. وعليه، نطالب بالتحقيق الشفّاف بما جرى فعلياً، فهذا استهتار فاضح بحقّ السجناء وصحّتهم إن كان السبب الفعلي وراء تفشّي الفيروس هو ما حدث يومها”. وتابع المقداد: “أما الأفظع أنّ الطبيب والصيدلي الممرّض اختارا الهروب وترك السجن كلياً لعدم وجود الأدوية غير دواء اسمه “أدول” وهو بديل “البنادول”!! ناهيك عن وضع الطعام المزري وإجبار المساجين الشراء من محلّات معينة داخل السجن ذات الأسعار الغالية التي تصل كلفة الأكل منها إلى 500 ألف ليرة شهرياً”.
وناشد المقداد منذ أشهر عدّة جميع السلطات في البلاد “احترام شروط الصحّة العامة على الأقلّ في زمن “كورونا” إذ يزيد الحبس والظروف غير الصحّية وعدم توافر منتجات النظافة، والوصول المحدود إلى خدمات الرعاية الصحّية، من خطر إصابة الفرد بالأمراض ونشر العدوى… لكن كل كلامنا وتحذيراتنا كانت تُسمع من أذن اليمين وتخرج من أذن اليسار وكأنّ شيئاً لم يكن. فاسألوا وزير الصحّة لماذا انتظر حتى اليوم لتوزيع الكمّامات؟ اقترح الدكتور عمر النشابة خطة استجابة واضحة تضمن التعقيم اليومي للزنازين وتكفل عدم مخالطة الضبّاط مع المساجين من دون احتراز وتدابير وقائية تحدّ من التعرّض المحتمل لفيروس “كورونا” المستجد، لماذا لم يعملوا بها؟ لماذا تبقى الخطط على الورق والوعود على “تويتر” ولا شيء يُنفّذ على الأرض”؟
وختم قائلاً: “علّمتنا أحداث انفجار مرفأ بيروت أنّ كل شيء في بلادنا يترك حتى فوات الأوان، وللأسف يعيد السيناريو نفسه اليوم مع أبنائنا في السجون، لذا سنتحرّك مُجدّداً من أمام مبنى وزارة العدل لمطالبتهم على الأقلّ بتطبيق المادة 108 التي تحكم لكل من تبقى له مدّة سنة من محكوميته الخروج من السجن، وبالتالي التخفيف من الإكتظاظ والتكدّس الذي وصلت نسبته في السجون اللبنانية إلى نسبة 500%، وهو ما يُنذر بكارثة وإعدام جماعي قريب. نرجو من هذه الدولة التي سئمنا مناشدتها بنفس المطالب، العمل بشكل جدّي هذه المرّة لأنّ حالات العدوى في السجون تُثير قلقاً بالغاً وجدّياً على أمل أن يُسمع صوتنا هذه المّرة وألّا تُرتكب مجزرة جديدة في بلاد المصائب اليومية والتطهير الشعبي اليومي”.