لا يمكن النظر إلى ما عكسته مستجدات الساعات الأخيرة في مرآة الملف الحكومي إلا من زاوية محاولة قوى 8 آذار، ومعها رئيس الجمهورية ميشال عون، تحقيق أي خرق ولو شكلي في جدار التصلب الفرنسي، أقله لحفظ ماء الوجه. الجميع “كان يعلم” بمضامين المبادرة الفرنسية والتزم بها في قصر الصنوبر، لكن وأمام عصف الضغوط الهائلة التي مورست على القوى المتحكمة بمفاتيح الحل والربط بمسارات البلد وبمفاصل استحقاقاته الدستورية، وجدت السلطة نفسها فجأة معزولة مشلولة لا تملك حلاً ولا ربطاً في مسار الأحداث فانتفضت لفائض قوتها وأعادت جذب الأضواء إلى دورها على مسرح الأحداث على قاعدة “نحن هنا” فكان ما كان من حرد أبداه الثنائي الشيعي على أطلال وزارة المالية، وصولاً إلى استمهال عون استصدار مراسيم التأليف بضعة أيام لإجراء مشاورات صورية يعرف قبل غيره أنها لن تقدّم ولن تؤخر في مواقف الكتل أكثر مما تهدف إلى تجنيبه التوقيع كشاهد عيان على ولادة الحكومة.
“اللعبة أصبحت في خواتيمها” حسبما تجزم مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن”، وكل ما تشهده تطبيقات المبادرة الفرنسية راهناً لا يعدو كونه مجرد “تنتيعات” ومحاولة جس نبض لإمكانية تحسين الشروط التفاوضية في الربع الساعة الأخير “على الطريقة اللبنانية”، لعل وعسى يفعل التهويل فعله في نفس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فيبدي مرونة أكبر في تطبيقات مبادرته تحت وطأة الخشية من إفشالها. وتوضح المصادر أنّ دفتر “استدراج العروض” الذي تحاول قوى الثامن من آذار طرحه على الطاولة، يتراوح في أهدافه بين “حد أدنى” يتمحور حول تحقيق مكاسب شكلية ككسر الحاجز النفسي عبر تمديد المهل الزمنية، أو جوهرية كإجهاض المداورة وإبقاء “التوقيع الثالث” بيد الثنائي الشيعي، وبين “حد أقصى” يتعدى الملف الحكومي ليبلغ مستوى استشراف إمكانيات البحث في إجراء مقايضات مع باريس تتصل بموضوع العقوبات.
وكشفت المصادر في هذا السياق عن “مساع ووساطات يقوم بها عدد من الأطراف اللبنانية ترمي إلى البحث في إمكانية تأجيل دفعة العقوبات الأميركية التي كانت مقررة الأسبوع الجاري إلى وقت لاحق مقابل تأكيد تجاوب الأفرقاء المعنيين بهذه العقوبات مع موجبات المبادرة الفرنسية الحكومية”، لافتةً إلى أنّ “المعطيات الخارجية تفيد بأنّ حزمة العقوبات الجديدة ستطال شخصيات بارزة من عدة طوائف، لكن أكثر ما يقلق “حزب الله” هو تأثيرات العقوبات على “التيار الوطني الحر” خصوصاً في ضوء التعديلات التي طرأت أخيراً على مواقف رئيس التيار جبران باسيل في عدة ملفات، ومن هنا قد يسعى الحزب عبر الضغط في الملف الحكومي إلى محاولة تخفيف الضغط عن حليفه المسيحي وإحداث أي تعديل ممكن في جدولة العقوبات الأميركية عبر البوابة الفرنسية بما يتيح تجنيب باسيل تجرع كأس العقوبات في هذه المرحلة الحرجة التي يجد نفسه فيها محاصراً على أكثر من جبهة داخلية وخارجية ولن يكون بمقدوره الصمود والثبات طويلاً على ضفة التحالف مع “حزب الله” في حال استهدفته كماشة العقوبات”.
في الغضون، وبينما آثر الرئيس المكلف مصطفى أديب عدم وضع رئيس الجمهورية أمام تشكيلة أمر واقع فزاره أمس من دون أن يحمل له “مظروف” التشكيلة النهائية إنما اكتفى بوضعه في معالمها وركائزها ليفسح له مجال التبصر بها واتخاذ قراره وتحديد خياراته إزاءها، وصفت أوساط نيابية المشاورات التي دعا إليها عون ممثلي الكتل للتشاور في التشكيلة الحكومية المرتقبة بأنها مشاورات “بدل عن ضائع” تعويضاً عن دور مفقود أراد أن يلعبه في تشكيل الحكومة خلال فترة التكليف، مشددةً على أنّ “أي تغيير لن يطرأ على خارطة المواقف النيابية بدليل مقاطعة تكتل الجمهورية القوية واللقاء الديمقراطي مشاورات بعبدا وثبات مختلف الكتل الأخرى على مواقفها”.
أما في باريس، فكل المؤشرات تؤكد أنّ تعقيد مسألة ولادة الحكومة أو عرقلة نيلها الثقة النيابية سيكون له “تداعيات سلبية جداً” على الوضع اللبناني. ونقلت الزميلة رندة تقي الدين عن مصدر في الرئاسة الفرنسية أنّ “الرئيس ماكرون عاد وذكّر القوى اللبنانية التي التقاها في قصر الصنوبر بالتزاماتها حول عدم إعاقة تشكيل حكومة مهمتها إخراج لبنان من أزمته”، متوقعاً أنّ يجري ماكرون اتصالاً هاتفياً بالرئيس المكلف “للاطلاع منه على مسار التطورات في عملية التأليف، وسيحدد في ضوء موقفه ويحكم على مدى التزام كل من القوى اللبنانية بالتعهدات”.