بمنتهى الدقة، يرسم الثنائي الشيعي معادلة جديدة ودقيقة يريد من ورائها تكريس أعراف ومسلمات، وإن كان الثمن إطاحة المبادرة الفرنسية التي يعلم الجميع أنها سترة النجاة الأخيرة للبنان. هذه المعادلة هي الآتية: ما بعد العقوبات ليس كما قبلها. هكذا يمكن تفسير تشدد الرئيس نبيه بري، وتصلب موقفه، ومن ورائه حزب الله بطبيعة الحال، في التمسك بوزارة المال وبتسمية ممثلي الثنائي الشيعي في حكومة الرئيس مصطفى أديب التي يبدو أن انتظارها سيكون طويلا.
ذلك أن بعدما كان بري أعطى إشارات تفيد بتعبيد الطريق أمام توليفة حكومية يرسم أديب معالمها وفقا لما يراه مناسبا ومتناغما مع المبادرة الفرنسية ومطالب المجتمع الدولي، عاد التصلب ليضرب مجددا أسس التفاوض، ما دفع الرئيس المكلف إلى التريث في تقديم تشكيلته إلى الرئيس عون.
أما ما بين سطور هذا المشهد الذي أكمله اليوم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وزميلاه النائبان علي حسن خليل ومحمد خواجة، بإبلاغ الرئيس عون الاصرار على وزارة المال وتسمية ممثليهم في الحكومة، فتقرأ مصادر سياسية عبر “المركزية” محاولة من الثنائي لاستكمال ما يعتبره الفريق المعني انتصارا ثمينا سجلته المعارضة في اتفاق الدوحة. ذلك أن هذا التفاهم أحدث انقلابا كبيرا على الطائف بإعطاء الأقلية سلاحا حكوميا فتاكا بحجم الثلث المعطل. بدليل أن الثنائي عاد أمس إلى العزف على وتره لمزيد من التأزيم الحكومي.
لكن المصادر تلفت إلى أن هذا ليس الهدف الوحيد من وراء تعطيل المفاوضات الحكومية، حيث أن المخاوف مما قد يقود إليه إصرار ممثلي الطائفة الشيعية على التوقيع الثالث على المراسيم إلى جانب رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني. وتذكر المصادر أن الطائف لا يعترف بهذه الأعراف والمعادلات التي لا يتذكرها البعض إلا في لحظات النكد السياسي. وتلفت إلى أن منذ اتفاق الطائف وما بعده مع اتفاق الدوحة موارنة كالوزير السابق جهاد أزعور وسنة كالرئيس فؤاد السنيورة والوزراء محمد شطح وريا الحسن ومحمد الصفدي، وأشخاصا أرثوذكس كالوزير السابق الياس سابا شغلوا وزارة المال، من دون أن يواجهوا اعتراضا من جانب الطائفة الشيعية، ما يطرح علامات استفهام حول الموقف الشيعي، الذي يبدو أن حتى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لا ينفع في تليينه.