اعتد التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية طويلا بأنهما نجحا في مصالحة الوجدان الشعبي المسيحي مع ماض دموي وتاريخ مظلم من خلال اتفاق معراب الشهير بينهما، الذي كان ثمرة جهود بذلها أمين سر تكتل لبنان القوي النائب ابراهيم كنعان إلى جانب وزير الاعلام السابق ملحم الرياشي. اعتقد الطرفان على مدى أكثر من عامين أن مجرد عقد اتفاق بينهما، وإن كان ذلك من دون تحضير القواعد الشعبية بشكل جيد لخطوة من هذا النوع، يبدو كافيا ليقلب المسيحيون صفحة ماض أليم انتهى إلى نفي زعيم وسجن آخر، قبل أن يعود الأول إلى الحرية عام 2005 ويعود الثاني إلى وطنه في العام نفسه.
هكذا وبعد تفاهم أول أبرم في الرابية بين الخصمين اللدودين في حزيران 2015، ولد تفاهم معراب عام 2016 لمد المرشح الرئاسي العماد ميشال عون بجرعة تأييد مسيحي تؤكد كونه الزعيم المسيحي الأول والأقوى ميثاقيا، ما يبرر وصوله إلى الرئاسة وتحقيق حلم خمد في نفسه طويلا. على أن حسابات البيدر لم تطابق حسابات الحقل. فعلى رغم التزام القوات بايصال عون إلى بعبدا، طعن الاتفاق من بيت أبيه، حيث أن مفاوضات تشكيل الحكومتين الأولى والثانية للعهد أكدت ما تهرب منه الحزبان المعنيان طويلا: المصالحة لم تكن مدعمة بما فيه الكفاية لتعمر طويلا. كل ما في الأمر أن الطرفين اعتبرا أن في إمكانهما تجاوز الماضي والتخطيط للمستقبل، بمجرد ابرام اتفاق مسيحي- مسيحي يشتمل على دعم العهد العوني من جهة، وتقاسم الحصص المسيحية من جهة أخرى. فكان أن سقط تفاهم معراب بالضربة السياسية القاضية، ما دفع القوات والتيار إلى الاعتراف بأن التفاهم السياسي سقط لكن المصالحة المسيحية مستمرة وباقية بدليل أن الاحتقان الشعبي ما عاد يشتعل في الشارع…. بل على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه الصورة رسمتها مصادر سياسية عبر “المركزية” منبهة إلى أن هذا المشهد كان صالحا حتى ليل أمس. ذلك أن ما خاف منه القواتيون والعونيون وحجبوا نظرهم عنه طويلا انفجر أمس في الشارع، فكان مرور موكب القوات أمام مركزية التيار في ميرنا الشالوحي وحده كافيا لاشعال توتر أعاد إلى الأذهان صراع الطرفين قبل ثلاثة عقود . وإذا كانت المصادر قد حضت على عدم العودة إلى أسباب المشهد الصادم، فإنها تسأل عن المرحلة المقبلة، واحتمالات التواصل على خط طرفي المصالحة لإعادة ضخ الحياة في عروق اتفاق معراب.
غير أن أمين سر تكتل الجمهورية القوية النائب السابق فادي كرم أكد لـ “المركزية” أن “العلاقة مع التيار مقطوعة ولا مستقبل لها، لأنه لا يعاني مشكلة معنا فقط، بل مع كل المكونات السياسية”، ما خلا الطرف الذي يؤمن له الغطاء وهو حزب الله”، معتبرا أن تفاهم معراب أعطى ما أعطاه وانتهى الموضوع ونحن لا نناقشه أبدا”.
وأعلن أن المجتمع المسيحي، بغض النظر عن المصالحة، لا يرتاح إلا إذا تأمنت له دولة المؤسسات القوية التي نريد بناءها.
وشدد على أن الصدامات بين الشباب المتحمسين أمر يحصل في كل بلدان العالم، وهو ما جرى أمس. لكن ما لا يحصل في دول العالم يكمن في إطلاق النار، وهو ما يستدعي تدخل القضاء والأجهزة الأمنية، لمعاقبة الفاعلين. أما إذا كانوا محميين، فهذه مشكلة لأنها تدل إلى أن السلطة تتصرف بطريقة “بلطجية”.
وأكد أن القوات “لا ترى أن هناك مشكلة لنعالجها. بدليل أن رئيس الحزب سمير جعجع حاول تهدئة الأجواء، فيما كان الطرف الآخر يحاول تشويه صورتنا”، مؤكدا “أننا لن ننجر إلى هذه الأمور”.