في اليومين الفاصلين عن الخميس المقبل، الموعد الجديد الذي ضرب لابصار تشكيلة الرئيس مصطفى اديب النور “مبدئيا”، تدور مشاورات مكثّفة محورها الحكومة العتيدة. واذا كانت اللقاءات التي يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري منذ الامس – في سابقة لم تعرفها عمليات التشكيل – تجري في العلن، فإنها تشكّل رأس جبل الجليد فقط، حيث ان الاتصالات الاساسية تحصل خلف الكواليس، على خط بعبدا – ميرنا الشالوحي – عين التينة – الضاحية، اي بين أهل السلطة، وبين هؤلاء والرئيس المكلّف وعرّابيه السياسيين، وتمتد من الداخل اللبناني الى العاصمة الفرنسية.
بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، اذا سلّمنا جدلا ان القوى السياسية كلّها تريد تأليف حكومة، فإنها حكما، مختلفة حول طبيعتها وشكلها. فالرئيس المكلّف وفريقه يتمسّكان بولادتها وفق المبادرة الفرنسية وشروطها. أما التحالف الحاكم، فيريد اليوم إدخال تعديلات الى هذه المبادرة، وهي تعديلات اساسية تمسّ جوهرها، وليست شكلّية او بسيطة حيث ان الثنائي الشيعي يريد حقيبة المال ويريد تسمية وزيرها والوزراء الشيعة كلّهم، والا فإن التركيبة التي يضعها الرئيس المكلف قد تصطدم بحائط مسدود، ثقةً وميثاقيةً او انتاجية، عاجلا ام آجلا. وهنا، لا يبدو رئيس الجمهورية وحزبه رافضين – وإن كان رئيس التيار اعترض منذ ايام على “المثالثة” المقنّعة – الا انه يرى ان إبقاء الثنائي الشيعي خارج الحكومة وإغضابه، سيعرقلان عملها مستقبلا، كما انه اي الفريق الرئاسي يرى في تشدد الثنائي فرصة يمكن ان يستفيد منها للمطالبة بابقاء توزيع الحقائب على حاله في الحكومة، وللعودة الى الحكومة بعد ان كان اعلن انه لن يشارك فيها.
على اي حال، فإن الاسئلة التي يطرحها الرئيس عون على ضيوفه خلال جلساته السريعة معهم في بعبدا، والمعروفة الاجوبة سلفا، نظرا الى كون الاطراف المشاركين فيها يدورون كلّهم في فلك حزب الله، تدل الى ان عون يريد جمع كميّة لاءات كافية، تمكّنه من الوقوف في وجه اي تركيبة قد يعرضها عليه اديب الخميس، اذا كانت تشمل مداورة ولا تعطي الثنائي المالية او تتجاوز القوى السياسية في عملية تسمية من يمثّلهم في الحكومة.
على الضفة المقابلة، الرئيس المكلف وباريس امام خيارين: التشدد في الشروط والاصرار على المبادرة كما هي، ما يعني ان تشكيلة اديب قد تولد ميتة. او ابداء بعض المرونة والليونة، بحيث يتم التوصل الى صيغة وسطية ترفع الفيتو الشيعي، على الارجح من خلال تقديم رئيس مجلس النواب نبيه بري عددا من الاسماء للرئيس المكلف فيختار منها وزير المال ووزراء الفريق الشيعي. ليصبح السؤال والحال هذه، هل سترضى القوى الاخرى التي سمّت أديب بأن يبقى هذا الامتياز “شيعيا” فقط، ام ستطالب بالمعاملة بالمثل، ما يعني ان الحكومة ستتحول الى نسخة عن حكومة حسان دياب؟
الايام القليلة المقبلة ستحمل الجواب الشافي. لكن الاكيد انه اذا برزت عقبات جديدة، فإن ذلك سيقودنا الى استنتاج واضح الا وهو ان المحور الممانع في لبنان، وهو امتداد لايران، لا يريد حكومة اليوم ويفضّل انتظار الانتخابات الاميركية ليبني على الشيء مقتضاه… وربّ سائل ايضا، انه في حال بقيت المالية مع امل، وبقي وزراء حزب الله والحركة حاضرين في الحكومة.. اي اصلاح يمكن تحقيقه وكيف ستتعاطى واشنطن والخليج والدول المانحة مع امر واقع كهذا، والا يشكّل ذلك إفراغا للمبادرة الفرنسية من مضمونها؟